الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها على مستقبل الإمدادات النفطية من المنتجين "الجزء الثاني"

لقد تطرقنا في المقالة السابقة إلى تداعيات الانخفاض الحاد في أسعار النفط نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية على الإمدادات النفطية من المنتجين من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط Non - OPEC بصورة عامة، خصوصا على المدى القصير. حيث تم إعطاء نظرة مفصلة على مستوى الإنتاج عام 2008 والتوقعات المستقبلية للعامين المقبلين، موضحين التغييرات التي أدخلتها الدراسات والتحاليل في هذا المجال على توقعاتها السابقة نتيجة الأزمة المالية وهبوط أسعار النفط. في هذا الجزء سيتم تحديد المجالات الرئيسة للنمو أو التراجع في الإمدادات النفطية نتيجة انخفاض الأسعار حسب الأقاليم وكبار المنتجين من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط.

إن الانكماش الاقتصادي الأخير، إضافة إلى انخفاض أسعار النفط، وتوافر رأس المال وتكلفة تمويل المشاريع الجديدة، وضعت ضغوطا كبيرة على عديد من الشركات العاملة في صناعة الطاقة بصورة عامة والصناعة النفطية بصورة خاصة. إن شركات النفط العملاقة مثل شركة النفط البريطانية، شل، إيكسون موبيل، شيفرون وتوتال الفرنسية وغيرها من الشركات العالمية العملاقة، كانوا الأقل تأثرا بالأزمة الاقتصادية الحالية وانخفاص الأسعار، على الأقل إلى الآن، وذلك لموقفهم المالي القوي وتوافر التمويل والسيولة النقدية لديهم. لكن مع ذلك قامت هذه الشركات ببعض التخفيضات على ميزانياتها, خصوصا تلك غير الإنمائية وغير الأساسية منها. لكن على العكس من ذلك كان للأزمة الاقتصادية وانخفاض أسعار النفط تداعيات كبيرة على الشركات النفطية المتوسطة والصغيرة الحجم، خصوصا شركات الاستكشاف والتطوير ذات الإمكانية المالية المحدودة أو تلك العاملة في مشاريع ذات تكلفة رأسمالية وتشغيلية عالية مثل مشاريع الرمال النفطية (رمال القار) أو مشاريع الحقول البحرية العميقة جدا.
ونتيجة لطبيعة ومكونات الشركات العاملة وخصائص الإنتاج، فمن المرجح أن تكون كل من روسيا وأمريكا الشمالية وغرب كندا وبحر الشمال من أكثر مناطق الإمدادات النفطية في العالم تـأثرا. في روسيا, على سبيل المثال, توجد وعلى نطاق واسع شركات نفطية روسية كبيرة ولكن ذات مديونية عالية، وفي الوقت نفسه يوجد مستوى عال نسبيا من الفوضى في القطاع المالي وبعض ردود الفعل من الشركات النفط العالمية للاستثمار هناك نتيجة عدم وجود استقرار في تعليمات ومتطلبات النظام الضريبي والتعاقدي. أما في أمريكا الشمالية وبدرجة أقل في بحر الشمال، يوجد كثير من شركات الاستكشاف والإنتاج E&P Companies الصغيرة نسبيا عاملة في هذه المناطق، وعليه من المتوقع أن نسبة من الإمدادات النفطية يمكن أن تتوقف أو تنخفض بدرجة كبيرة نتيجة انخفاض أسعار النفط.
ولكن على الرغم من الاضطرابات الحالية في أسواق النفط العالمية وانخفاض الأسعار، تشير معظم توقعات المحللين في هذا المجال إلى أن الربعين الأول والثاني من عام 2009 سيشهدان زيادة في الإمدادات النفطية من المنتجين من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط Non-OPEC نتيجة انتعاش الإمدادات النفطية خلال الربع الأخير من عام 2008. وذلك لعودة الإنتاج من أحد حقول أذربيجان العملاقة الذي توقف في أيلول (سبتمبر) الماضي، وأيضا عودة الإنتاج من حقول خليج المكسيك في الولايات الأمريكية التي توقفت نتيجة الإعصار غوستاف والإعصار آيك، وأيضا نتيجة نمو الإنتاج في مناطق مختلفة مثل المياه العميقة في البرازيل. وعليه يتوقع معظم الدراسات أن الإمدادات النفطية من المنتجين من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط ستزداد ما بين 0.4 إلى 0.6 مليون برميل يوميا عام 2009 على عام 2008. أما في عام 2010، فيشير معظم توقعات المحللين إلى أن الإمدادات النفطية من المنتجين من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط ستزداد أيضا، ولكن بصورة بسيطة مقارنة بعام 2009، حيث من المتوقع أن يزداد بحدود 0.3 مليون برميل يوميا أو أكثر بقليل عن 2009، وذلك نتيجة لانخفاض الإنفاق على المشاريع الحالية وأيضا نتيجة تأخر المشاريع الجديدة.
أما أهم مناطق النمو في الإمدادات النفطية في الدول غير الأعضاء في "أوبك" هي: بحر قزوين من كل كازاخستان وأذربيجان، وكل من أمريكا الشمالية من حقول خليج المكسيك في الولايات الأمريكية والرمال النفطية في كندا، وأمريكا الجنوبية من المياه العميقة في البرازيل، هذا النمو في الإنتاج سيعوض انخفاض الإنتاج من بحر الشمال وروسيا. حيث إن انخفاض أسعار النفط وتأثير أزمة الائتمان العالمي كان لهما أكبر الأثر في الإنتاج الروسي. في عام 2008 شهدت روسيا تراجعا في حجم الإنتاج عن عام 2007, ولأول مرة منذ عام 2000، حيث انخفض الإنتاج في كانون الأول ( ديسمبر) إلى أدنى مستوى له منذ أيار (مايو) 2006.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم الدراسات في هذا المجال قامت بتخفيض توقعاتها للإنتاج من المنتجين من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط لعامي 2009 و2010 بصورة متفاوتة منذ تفاقم الأزمة في الخريف الماضي نتيجة انخفاض أسعار النفط وتشديد الائتمان. هذا ولا يزال من السابق لأوانه الحكم على نحو سليم على الأثر الكامل لانخفاض الأسعار وعدم توافر الائتمان في الإمدادات النفطية. ولكن ما هو مؤكد حاليا، هناك بالفعل تأثير سلبي كبير في الإمدادات النفطية في المدى القصير، ومن المتوقع أن يكون التأثير أكبر على المدى المتوسط نتيجة تأجيل عدد من المشاريع الجديدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي