بدأت قرارات التوازن العقاري في السعودية في تصحيح التشوهات السعرية وتخليص السوق من آثار المضاربات، وأسهمت في خلق واقعية بين القيم السوقية والقدرة الشرائية للأسر السعودية، دون المساس بجاذبية الاستثمار طويل الأجل، وفقا لما ذكره لـ"الاقتصادية" مستثمرون وعاملون في القطاع العقاري.
تهدف أراضي التوازن العقاري المقدمة من الهيئة الملكية إلى تحقيق الاستقرار السعري في جميع الأحياء، وتُعد آلية القرعة وسيلة لتحقيق هذا الهدف من خلال شروط محددة للمشاركة، تشمل عدم امتلاك عقار سابقًا، والإقامة في مدينة الرياض خلال مدة زمنية معينة، إضافة إلى بلوغ عمر محدد، بما يضمن إشراك أكبر فئة مستحقة.
وأوضحوا لـ "الاقتصادية" أن الانخفاضات السعرية جاءت متفاوتة ومنطقية حيث شهدت الأحياء السكنية المكتملة الخدمات استقرارا نسبيا أو تراجعا محدودا، لم يتجاوز 8% في "العزيزية" و13% في "نمار"، مقابل استقرار تام في أحياء أخرى وتغيرات طفيفة لا تتخطى 3% في بقية المخططات المأهولة، معتبرين الانخفاضات الحادة التي تجاوزت أكثر من 25% اقتصرت على أحياء محددة.
تراجع الأسعار بنسب تراوح بين 17% و31%
الأحياء التي شهدت تضخما سابقا سجلت انخفاضات ملموسة راوحت بين 17% و31%. وتصدر حي "لبن" قائمة هذا التصحيح بنسبة تراجع بلغت 31%، يليه حي "الخير" بنسبة 25%، ثم حي "عريض" بنسبة 17%، في تحول جذري في النطاقات السعرية من التضخم المفرط نحو مستويات التوازن العادلة.
الخبراء أضافوا: "استراتيجية التوازن العقاري تستهدف بالدرجة الأولى كبح التضخم السعري للأراضي وتقديم قيمة عادلة تحاكي الطلب الحقيقي، ما يضمن استدامة النشاط العقاري ونموه وفق معايير اقتصادية صحية بعيدة عن الفقاعات السعرية".
العبودي بن عبدالله، الرئيس التنفيذي لحاضنة المساكن العقارية، أوضح أن قرارات التوازن العقاري الأخيرة لم تكن تهدف إلى إحداث هبوط عام في الأسعار، بل نجحت في الفصل بين السعر المتضخم والقيمة الحقيقية للأصول.
وأوضح أن السوق تشهد حاليا حالة من الفرز، حيث بدأت الأحياء التي عانت تسعيرا مبالغا فيه بالعودة تدريجيا إلى مستويات تلامس الواقع، في حين حافظت الأحياء المتوازنة بطبيعتها على استقرارها، ما يعكس نضجا في آليات التقييم المتبعة حاليا.
تصحيح منطقي لأسعار تجاوزت القدرة الشرائية
وفي قراءته للمؤشرات الرقمية، أشار العبودي إلى أن الانخفاضات التي راوحت بين 8% و13% في أحياء مثل العزيزية ونمار تعد تصحيحا منطقيا لسعر سبق أن تجاوز القدرة الشرائية الفعلية للمستفيدين، مؤكدا أن هذا التراجع لا يعبر عن ضعف في الطلب أو خلل هيكلي في السوق، بل هو استجابة طبيعية لمتطلبات القوة الشرائية.
وشدد على أن انحصار الانخفاضات الحادة التي تجاوزت 25% في النطاقات الطرفية فقط، مقابل استقرار بقية الأحياء السكنية المكتملة الخدمات، يثبت أن السوق تمر بمرحلة تصحيح تدريجي وانتقائي وليس بانهيار شامل.
واختتم الرئيس التنفيذي لحاضنة المساكن العقارية تصريحه بالإشارة إلى أن السوق العقارية تعيد حاليا تسعير نفسها بهدوء وثبات، من خلال آلية تخصم بذكاء من التضخم السعري مع الحفاظ على القيمة الجوهرية للعقار. ويرى العبودي أن هذه المرحلة التصحيحية تسهم في تعزيز ثقة المتعاملين واستدامة القطاع، حيث تضمن توافر خيارات سكنية واستثمارية بأسعار عادلة تتناسب مع المعطيات الاقتصادية الراهنة وتطلعات المستفيد النهائي.
الأسبوع الماضي أعلنت الهيئة الملكية لمدينة الرياض صدور نتائج القرعة الإلكترونية لشراء الأراضي السكنية عبر منصة التوازن العقاري، وذلك بعد استكمال جميع الإجراءات المرتبطة بمرحلة التحقُّق من أهلية المتقدمين، والنظر في الاعتراضات التي سبقت إجراء القرعة.
1.2 مليون ريال تكلفة الوحدة في أراضي التوازن
وشملت نتائج القرعة الإلكترونية تحديد مواقع الأراضي السكنية المخصَصة للمستحقين، حيث بلغ إجمالي المساحات 6.4 مليون متر مربع، توزَّعت على عدد من المواقع داخل النسيج العمراني في مدينة الرياض، وفي مواقع متعددة يجري تصميمها، ضمن أحياء القيروان، والملقا، والنخيل، والنرجس، ونمار، والرماية، والرمال، والجنادرية، بمساحة 300 متر مربع للقطعة.
وتبلغ تكلفة الوحدة السكنية الواحدة بعد التطوير نحو 1.2 مليون ريال في أراضي التوازن العقاري، مع الإشارة إلى أن 5 مواقع من أصل 8 تقع في مواقع أقل تميزا من موقع ضاحية خزام، وذلك بحسب ما أفاد به خبراء السوق .
في المقابل، تعرض حاليًا في ضاحية خزام نحو 60 ألف وحدة سكنية، أي ما يعادل ستة أضعاف عدد الأراضي الموزعة، بمتوسط سعر يبلغ 1,1 مليون ريال للوحدات المستقلة بعد الدعم، وبمسطحات بناء تصل إلى 300 متر مربع.
وتطرح ضاحية الفرسان وحدات سكنية مستقلة بمتوسط سعر يبلغ 780 ألف ريال بعد الدعم، وبمسطحات بناء قدرها 300 متر مربع، في حين تصل تكلفة تطوير أراضي التوازن إلى 1.2 مليون ريال، وبفارق يبلغ 65%.
إعادة ضبط آلية التسعير داخل السوق
الخبير في القطاع العقاري عبدالله الموسى، رأى أن قرارات التوازن العقاري أسهمت في إعادة ضبط آلية التسعير داخل السوق، خصوصا في الأحياء التي شهدت تضخما سعريا غير مبرر خلال السنوات الماضية. ما حدث ليس “ضغط أسعار” بقدر ما هو إعادة تسعير ذكية، أعادت ربط السعر بالقيمة الفعلية للعقار من حيث الموقع، والخدمات، ومستوى الطلب الحقيقي.
الانخفاضات المحدودة التي راوحت بين 8% و13% في أحياء مثل العزيزية ونمار تعكس سلوكا سوقيا صحيا، إذ كشفت هذه النسب عن فجوة سعرية كانت قائمة نتيجة مضاربات سابقة أكثر من كونها قيمة حقيقية. ومع تصحيح المعروض وتوازن الطلب، عاد السعر لمستواه العادل دون هزات حادة.
أما اقتصار الانخفاضات الكبيرة التي تجاوزت 25% على نطاقات جغرافية محدودة، مقابل استقرار أو تغيرات طفيفة لا تتجاوز 3% في معظم الأحياء، فيؤكد أن السوق لا تمر بمرحلة هبوط عشوائي، بل تشهد تصحيحا تدريجيا ومنظما. هذا النمط يعكس نضج السوق وقدرتها على امتصاص القرارات التنظيمية دون إرباك، ويعزز الثقة بأن المرحلة الحالية هي مرحلة انتقال نحو تسعير أكثر واقعية واستدامة، لا تصحيحا صادما ولا فقاعة منكمشة.
توفير 40 ألف قطعة سكنية سنويا للمواطنين
وفي مارس الماضي وجه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بخمسة إجراءات لمواجهة ارتفاع أسعار الأراضي والإيجارات في العاصمة السعودية الرياض، تمثل أولها في رفع الإيقاف عن التصرف بالبيع والشراء والتقسيم والتجزئة، وإصدار رخص البناء واعتماد المخططات للأرض الواقعة شمال مدينة الرياض بمساحة إجمالية 81 مليون متر مربع.
ونصت الإجراءات الجديدة على قيام الهيئة الملكية لمدينة الرياض بالعمل على توفير أراض سكنية مخططة ومطورة للمواطنين بعدد ما بين 10 إلى 40 ألف قطعة سنويا خلال السنوات الخمس المقبلة حسب العرض والطلب، وبأسعار لا تتجاوز 1500 ريال للمتر المربع، للمواطنين المتزوجين أو من تتجاوز أعمارهم 25 سنة.
كما تضمنت إصدار التعديلات المقترحة على نظام رسوم الأراضي البيضاء، واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة لضبط العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين بما يكفل تحقيق التوازن بين مصالح الأطراف، إلى جانب تكليف الهيئة العامة للعقار والهيئة الملكية لمدينة الرياض برصد ومراقبة أسعار العقار في مدينة الرياض والرفع بتقارير دورية.
ومنذاك صدرت لائحة الرسوم البيضاء الجديدة التي تضمنت رسوما تصل إلى 10% على بعض الأراضي الخام، إضافة إلى قرار بتثبيت أسعار الإيجارات في العاصمة لمدة 5 سنوات.
تحفيز شراء العقارات على الخارطة
ساهم تثبيت أسعار الإيجارات لمدة خمس سنوات في تحفيز شراء العقارات على الخارطة، حيث ارتفعت أرقام مبيعات البيع على الخارطة في الربع الثاني والثالث والرابع من 2025م بنحو 24% مقارنة بنفس الفترة من 2024م، وذلك بالنسبة للعقارات التي خضعت للدعم السكني. وقد تم تطبيق قرارات تحقيق التوازن في اليوم الأول من الربع الثاني من 2025م.
التأثير أن تثبيت الأسعار أثر بشكل إيجابي على تحفيز شراء العقارات على الخارطة بنسبة نمو تجاوزت التوقعات.
العقارات التي تم بيعها عبر الخارطة بسعر مدعوم في مدينة الرياض، والتي ستسلم تدريجياً من بداية 2026م حتى 2029م، تقدر بحوالي 300 ألف عقار، أي بمتوسط 75,000 وحدة سكنية.
سيؤثر ذلك بتحفيز المعروض بشكل مستمر بعد تسليم العقارات، حيث سيتم تأجير بعضها بعد الاستلام، بينما سيسكن البعض الآخر بشكل مباشر، مما يساعد في زيادة المعروض التأجيري بعد خروج بعض السكان من الوحدات المستأجرة.
دعم قطاع التطوير الحكومي قرب مشروع القدية
من جانبه، أوضح رئيس جمعية الوسطاء العقاريين، ماجد الحارثي، أن توجهات خفض الأسعار في جنوب الرياض، وتحديدا في حي نمار، تستهدف بشكل مباشر دعم قطاع التطوير الحكومي في منطقة تكتسب ثقلا استراتيجيا لقربها من مشروع القدية.
أشار الحارثي إلى أن إطلاق مشروعين جديدين في نمار بالتزامن مع تفعيل منصة «توازن» يعكس رغبة جادة في تحويل الحي إلى محور تطويري رئيسي بدلا من حصر التوسع في الشمال، معتبرا تحديد السعر عند 1250 ريالا يهدف لضبط القيمة السوقية ومنع تأثر المنطقة بالانخفاضات الحادة، لتظل أسعارها متوازنة ومتقاربة مع المناطق الحيوية الأخرى.
كما أشار الحارثي إلى أن منصة «توازن» ركزت جهودها على إعادة هيكلة الأسعار في أحياء شمال الرياض، مثل الملقا والقيروان والنرجس، والتي شهدت سابقا قفزات سعرية قياسية وغير مبررة.
وبين أن هذا التدخل التصحيحي جاء لمعالجة التضخم في القيم العقارية الذي أسهم فيه بعض المطورين أو الملاك برفع الأسعار بشكل فردي، ما أدى في النهاية إلى تحقيق التوازن المطلوب وخفض الأسعار في تلك المخططات لتصل إلى مستويات عادلة تعزز من استقرار السوق وتدعم القدرة الشرائية.
رئيس جمعية الوسطاء العقاريين أكد أن المنطقة الجنوبية الغربية من العاصمة باتت اليوم الوجهة الأكثر نشاطا وجاذبية، مستفيدة من قربها من المشاريع الكبرى مثل مشروع القدية، إضافة إلى افتتاح الحدائق وتطوير شبكة الطرق كطريق الدائري المنطلق منها. وخلص الحارثي إلى أن هذه العوامل، مجتمعة مع الأسعار المتوازنة والمستقبل الواعد للمنطقة، تجعلها مركز ثقل استثماريا وسكنيا يجسد الرؤية الشاملة لتوزيع التنمية العمرانية في كافة اتجاهات العاصمة.
تصحيح الاختلالات والعيوب السعرية
موسى السعدون رئيس شركة السعدون العقارية قال "إن قرارات التوازن العقاري أسهمت وبشكل فاعل في تصحيح الاختلالات والعيوب السعرية التي شهدتها بعض الأحياء الطرفية بمدينة الرياض والتي يغلب عليها طابع المضاربة ولكن الأحياء المأهولة التي لم تشهد ارتفاعات غير مقبولة قد استقرت أسعارها وقد انخفضت بنسب معقولة ومقبولة من 3 إلى 5 % كما أننا نلمس تلك الأسعار من خلال مزاداتنا في شركة السعدون العقارية المستمرة، كمأ أن السوق تتفاعل مع التوازن وعلينا أن نعلم أن التوازن يعني عدم الارتفاع أو الانخفاض الكبير ما سيعزز من استقرار السوق مع نظرة مستقبلية مستقرة للمستثمرين والمطورين على المديين المتوسط والطويل".
ويرى عبدالله العباد الوسيط والمختص العقاري أن قرارات التوازن العقاري في الرياض كانت لها تأثيرات إيجابية في تصحيح الأسعار في الأحياء الأكثر ارتفاعا حيث ساعدت القرارات الجديدة في تحديد الأسعار العادلة للعقارات التي تسهم بدورها في تقليل الفجوة بين الأسعار السوقية والقيمة الفعلية.
وأضاف: "عندما يستقر السعر في بعض الأحياء فهذا يدل على توازن العرض والطلب فيها ويؤكد ثباتا في قيمة العقارات ويعكس هذا السلوك السوقي القيمة السعرية الحقيقية للأحياء السكنية".