بينما يريد سام ألتمان تسخير الذكاء الاصطناعي لعلاج السرطان وإيلون ماسك للقضاء على الفقر، تركز الصين على هدف أبسط: استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج غسالات أفضل.
أهداف الصين طويلة المدى في مجال الذكاء الاصطناعي لا تقل طموحا عن عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين، لكن مع ارتفاع تكاليف الإنتاج داخلياً، وتصاعد الرسوم الجمركية على صادراتها، تسعى بكين لحماية دورها كـ"مصنع العالم" من خلال تحديث شامل لعمليات التصنيع والإمداد باستخدام الذكاء الاصطناعي والروبوتات.
كائنات ذكية تدير المصانع
في أنحاء البلاد، تضخ الشركات مليارات الدولارات لتطبيق الذكاء الاصطناعي في كل مرحلة من مراحل التصنيع. مصممو الملابس يقلصون وقت إنتاج العينات بأكثر من 70%، فيما تصنع الغسالات في المصانع تحت إشراف "عقل مصنع" قائم على الذكاء الاصطناعي، يتصرف كجهاز عصبي مركزي ينسق عمل الروبوتات ويصدر الأوامر ويتخذ القرارات ذاتياً.
وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، يشبه المسؤولون التنفيذيون المشاركون في هذه الجهود مستقبل المصانع بكائنات ذكية تفكر وتتصرف بشكل مستقل، ما يسرع انتشار "المصانع الخافتة"، حيث تؤتمت العمليات لدرجة أن العمل يجري على مدار الساعة ومع إطفاء الأنوار.
ترمب يدرس بيع رقائق إنفيديا المتقدمة للصين
مخاوف من زيادة العاطلين
قد يدمر الذكاء الاصطناعي وظائف المصانع أكثر مما تتوقعه الصين، مخلفا عددا كبيرا من العاطلين، لكن القادة يراهنون على أن تناقص عدد سكان البلاد، المتوقع أن ينخفض 200 مليون نسمة خلال العقود الثلاثة المقبلة، سيعوض عن تسريحات العمال في المصانع.
ركبت الصين العام الماضي 295 ألف روبوت، أكثر من بقية العالم مجتمعاً، وتجاوز مخزونها من الروبوتات التشغيلية مليوني روبوت بحلول 2024، وهي الأكبر بين جميع الدول. ومن بين 131 مصنعا معترف به عالميا لاعتماد تكنولوجيا متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، يقع 45 منها في الصين وحدها. وفي مصنع باوستيل "الخافت" في شنغهاي، تقلص تدخل البشر من مرة كل ثلاث دقائق إلى مرة كل 30 دقيقة.
طموح الصين لزيادة إنتاج المصانع
ميزة الصين لا تكمن فقط في التكنولوجيا، بل في حجم طموحها. ففي جينجتشو، تدير شركة "ميديا" مصنع غسالات يديره "عقل مصنع" ينسق بين روبوتات "كوكا" الألمانية و14 عاملا افتراضيا. الروبوتات تفحص القطع، تصلح الأخطاء تلقائياً، وتتعرف على نماذج مختلفة من الأجهزة على خط الإنتاج. ويستخدم العمال نظارات مزودة بذكاء اصطناعي تقلل زمن مهام التفتيش من 15 دقيقة إلى 30 ثانية. ومنذ 2015، ارتفعت إيرادات "ميديا" لكل موظف 40%.
في مجال المعادن الأساسية.. الصين ما تزال صاحبة اليد العليا
فشل القيود الأمريكية على بكين
ورغم القيود الأمريكية على وصول الصين إلى الرقائق المتقدمة، أثبت نموذج "ديب سيك" قوة المهندسين الصينيين. ويساعد تفاؤل الشعب بالذكاء الاصطناعي، 83% منهم يرونه مفيداً، في تسريع اعتماده. حتى شركات الملابس، مثل "بوسيدنج"، تستخدم نماذج ذكاء اصطناعي لتقليص دورة تصميم الملابس من 100 يوم إلى 27 يوماً وخفض تكاليف التصميم 60%.
"هواوي"، عملاق التكنولوجيا الخاضع للعقوبات الأمريكية، جزء محوري من هذه الجهود. وقد أطلقت الشركة مجموعة من نماذج اللغات الكبيرة، تسمى "بانجو"، تيمنا بأسطورة صينية، إلى جانب خدمات ذكاء اصطناعي أخرى يمكن للمصانع استخدامها لزيادة ديناميكية أعمالها.
فمع شركة الإسمنت العملاقة "كونش"، طورت نماذج تتنبأ بقوة مادة الكلنكر بدقة أعلى، ما أدى إلى تقليل فائض الإسمنت وخفض استهلاك الفحم 1% في خط إنتاج واحد، ما يمثل وفورات سنوية تقارب 300 ألف دولار، وتتطلع الشركة لمضاعفة هذا بحلول 2026.
المنافسة بين واشنطن وبكين تعيد رسم الحرب الاقتصادية .. وأوروبا تائهة
أولوية خاصة لتطوير موانئ البلاد
أعطى شي جين بينج أولوية خاصة لتطوير موانئ البلاد، وهي خطوة حاسمة في تعزيز هيمنة الصين كقوة تصنيع عالمية. ويبرز ميناء تيانجين كمثال رئيسي في تعاونه مع "هواوي"، إذ يعمل بأسطول من شاحنات ذاتية القيادة، ويستخدم نظام ذكاء اصطناعي للتخطيط يقلص زمن الجدولة من 24 ساعة إلى 10 دقائق. كما أطلق التعاون نموذج "بورت جي بي تي" لتحليل الصور والفيديو في الموقع لأتمتة مهام السلامة.
واليوم أصبح أكثر من 88% من معدات ميناء تيانجين تدار آليا، ما خفض الحاجة إلى العمالة بنسبة 60%. وتملك الصين نصف أفضل 20 ميناء في العالم من حيث سرعة مناولة السفن، وهو مؤشر على تفوقها المتزايد. ويساعد غياب النقابات العمالية المستقلة في تسريع الأتمتة، بخلاف الموانئ الأمريكية التي تواجه مقاومة تجاه اعتماد التكنولوجيا.

