أنهى سوق الأسهم السعودية 2025 في ساحة مواجهة مفتوحة بين ضغوط التراجع وضعف السيولة من جهة، ومتانة الأساسيات الاقتصادية وقوة نتائج الشركات من جهة أخرى، في عام اتسم بتقلبات أعادت رسم خريطة شهية المخاطرة لدى المستثمرين، وفق ما ذكره لـ"الاقتصادية" اقتصاديون ومحللون.
بعد بداية إيجابية عززت التفاؤل في الأشهر الأولى، دخل السوق منذ النصف الثاني في مسار هابط، أفقد المؤشر الرئيسي جزءا كبيرا من مكاسبه، ودفعه إلى تسجيل واحد من أضعف مستويات أدائه السنوي مقارنة بالأسواق العالمية.
هذا التراجع، لم يكن مجرد أرقام على شاشات التداول، بل انعكس بوضوح على نفسية المتعاملين، وتراجع قيم التداول، وأداء الاكتتابات الجديدة، ما فتح باب التساؤلات حول قدرة السوق على استعادة زخمه، وحول ما إذا كانت الخسائر تعكس واقعا تشغيليا للشركات أم فجوة تقييمية فرضتها ظروف استثنائية محلية وعالمية.
مع اقتراب طي صفحة 2025، تتجه الأنظار إلى عام 2026 بوصفه محطة مفصلية قد تعيد تشكيل مسار السوق، في ظل تقييمات أكثر جاذبية، وتوقعات بتغير بعض العوامل المؤثرة، إلى جانب استمرار الإنفاق الحكومي وقوة الاقتصاد غير النفطي.
في السياق، تستعرض "الاقتصادية" آراء محللين وأكاديميين حول أسباب ما شهده السوق خلال 2025، وتوقعاتهم لأداء السوق في 2026، بين حذر قصير الأجل وفرص تعافٍ محتملة على المدى المتوسط والطويل.
كيف بدت ملامح السوق في 2025؟
ثامر السعيد، الرئيس التنفيذي للاستثمار "BLME" ومحلل سوق الأسهم السعودية، قال إن أداء السوق خلال العام الحالي انقسم إلى مرحلتين، إذ شهد النصف الأول أداء إيجابيا مدعوما بارتفاعات ملحوظة وتحسن في نفسيات المتعاملين، قبل أن تبدأ موجة التراجع من النصف الثاني، وتحديدا في مايو الماضي، حتى اليوم، حيث انخفض المؤشر بنحو 14%، مسجلا أدنى مستوياته منذ بداية العام.
السعيد أوضح أن هذا التراجع المتتالي انعكس بوضوح على معنويات المستثمرين، وهو ما ظهر في أداء الاكتتابات الأخيرة سواء من حيث مستويات التغطية أو حركة السهم بعد الإدراج، ما يبرز حالة من الحذر وضعف الشهية الاستثمارية.
كما أشار إلى أن السوق يتداول حاليا عند أدنى مستوياته في نحو 3 سنوات، بالتزامن مع تراجع متوسط قيم التداول اليومية من قرابة 6 مليارات ريال إلى ما بين 3-4 مليارات ريال، وهي مؤشرات تؤكد غياب الزخم وقيمه التداول وعدم قدرة السوق على تحديد اتجاه واضح، سواء صعودا أو حتى هبوطا منظما.
وأضاف أن السوق يعيش في الوقت الراهن حالة حركة عشوائية دون شهية استثمارية واضحة، لا سيما على المدى المنظور حتى عام 2026.
سعود المطير، الأكاديمي والمستشار المالي، يوضح أن سوق الأسهم السعودي بدأ عام 2025 عند مستويات قوية نسبيا فوق حاجز 12300 نقطة، إلا أنه تعرض لتقلبات حادة خلال العام، شملت تراجعات شهرية قوية في مايو، مما جعله من بين الأسواق الأسوأ أداءً عالمياً.
يشير المطير إلى أن السوق شهدت في أواخر سبتمبر 2025 قفزة استثنائية قاربت 5% في جلسة واحدة بدعم من قطاع البنوك وتدفق السيولة، إثر أنباء عن توجه لرفع نسبة تملك المستثمر الأجنبي، لكنه سرعان ما عاود الهبوط بعد توضيح أن المقترح "تحت الدراسة" ولن يُطبق خلال 2025.
ومع نهاية ديسمبر، لا يزال المؤشر يعاني ضغوطا بيعية وتقلبات مرتبطة بأسعار النفط والتوقعات العالمية، حيث فقد "تاسي" أكثر من 13% منذ بداية العام، في مسار معاكس للأسواق العالمية.
ما عوامل الضغط على السوق؟
حصر المطير عوامل الضغط على السوق في عدة نقاط، أولها ضعف أسعار النفط الذي أثر سلباً على المعنويات باعتباره محركاً رئيسياً للاقتصاد، وثانيها انخفاض مستويات السيولة وحجم التداول بنسبة تراوحت بين 25-32% في النصف الأول من 2025 مقارنة بالعام السابق، مما يعكس حذر المستثمرين.
ثالثاً، العوامل المحلية المتمثلة في عدم الوضوح بشأن مستقبل رفع ملكية الأجانب، مع ملاحظة وجود "انفصال غير مفهوم" بين النمو القوي للأنشطة غير النفطية وخسائر المؤشر، رغم ضخامة الميزانية الحكومية. وأخيراً، العوامل العالمية وضبابية السياسة النقدية الأمريكية التي عززت من حدة التقلبات.
على الرغم من هذه التحديات، أكد المطير وجود نقاط إيجابية، حيث تظل السوق السعودية الأهم إقليميا والأكثر جذبا للمشاركات الأجنبية، معتبرا أن أي سياسات مستقبلية لرفع نسبة تملك الأجانب ستكون خطوة استراتيجية لتعزيز الطلب وتدفقات رؤوس الأموال.
إلى أين يتجه السوق في العام الجديد؟
حول المتوقع من أداء السوق في 2026، رجّح السعيد أن يكون أداء السوق أفضل من عام 2025، مدفوعا بثلاثة عوامل رئيسة، أولها انخفاض تكلفة الدين على الشركات المدرجة، ما يدعم الهوامش الربحية وصافي الأرباح.
ويقول: "ثانيها، أن الأسعار الحالية باتت تعكس الواقع القائم بشكل أدق بعيداً عن مبالغات التوقعات، حتى مع استقرار معدلات النمو الربحي للسوق عند مستويات 3–4%. أما العامل الثالث فهو متانة الأساسيات الاقتصادية للمملكة، المتمثلة في استدامة الإنفاق الحكومي وشبه الحكومي وقوة معدلات الاستهلاك، وهي أساسيات لم تشهد تغيراً جوهرياً.
المطير توقع بدوره استمرار حالة التذبذب في المدى القصير، مرجحاً أن يظل اتجاه السوق رهيناً بأسعار النفط العالمية، وقرارات الفائدة الأمريكية، ومدى قدرة الاقتصاد العالمي على تحقيق النمو وتجنب التباطؤ.
وقال" الانخفاضات الكبيرة في 2025 لا يمكن أن تستمر، لأن كثيرا من الشركات سجلت قيعان بعضها تاريخي وبعضها سنوي، وزاد من جاذبية السوق. وهناك عوامل داعمة قد ترفع الأداء، منها رفع نسبة تملك الأجانب قد تجعل السوق أكثر جذبا للاستثمارات الدولية، ما يمكن أن يدعم الأسعار على المدى المتوسط، استمرار الإصلاحات ورؤية 2030 يعزز أسس النمو طويل الأجل، تعافي أسعار النفط ولو إلى مستويات أكثر استقرارا سيحسن عائدات الشركات الكبيرة وبالتالي معنويات السوق.
ما أبرز التغيرات في السوق خلال 2025؟
صالح الردادي، المحلل المالي، أوضح أن سوق الأسهم السعودي الرئيسي "
تاسي" شهد منذ بداية عام 2025 وحتى منتصف ديسمبر تغيرات لافتة، تمثلت في تسجيل أسهم 58 شركة وصندوقا استثماريا أدنى مستوياتها التاريخية خلال تداولات العام، في دلالة على الضغوط التي تعرض لها المؤشر خلال الفترة الماضية.
وهناك قائمة طويلة من الشركات التي سجلت قيعانا تاريخية، تضم الحفر، أديس، البحري، اليمامة للحديد، أسلاك، كيمانول، لوبريف، الفخارية، أسمنت نجران، أسمنت الشمالية، سماسكو، تمكين، الطباعة والتغليف، لومي، هرفي، ريدان، الآمار، أمريكانا، برغرايزر، جاهز، السيف غاليري، المنجم، الدواء، النهدي، تنمية، نقي، المطاحن الأولى، المطاحن الحديثة، المطاحن العربية، المطاحن الرابعة، دار المعدات، فقيه الطبية، النايفات، مرنة، تسهيل، الصقر للتأمين، الخليجية العامة، أمانة للتأمين، عناية، مرافق، إعمار؟
يضاف إلى هذه القائمة عدد من صناديق الريت، من بينها: الرياض ريت، جدوى ريت الحرمين، تعليم ريت، مشاركة ريت، ملكية ريت، العزيزة ريت، الأهلي ريت 1، دراية ريت، سدكو كابيتال ريت، الإنماء ريت للتجزئة، ميفك ريت، الخبير ريت، الإنماء ريت الفندقي، الاستثمار ريت، وفقا للردادي.
يشير الردادي إلى أن "تاسي" شهد خلال العام ذاته
إدراج عدد من الشركات الجديدة، وانتقال شركات من السوق الموازية «نمو» إلى السوق الرئيسية، من أبرزها: طيران ناس، نايس ون، إنتاج، الماجدية، دراية، شري، سي جي إس، المسار الشامل، يو سي آي سي، الأندية للرياضة، رؤوم، العبيكان للزجاج، جاز، محطة البناء، الموسى، إس إم سي للرعاية الصحية، المركز الكندي الطبي، عزم.
خسر "تاسي" منذ بداية تداولات 2025 نحو 1624 نقطة، وفي حال إغلاقه بنهاية تداولات يوم الأربعاء 31 ديسمبر دون مستوى 10,631 نقطة، فإنه سيسجل ثالث أعلى خسارة نقطية سنوية في تاريخه بعد خسائر عامي 2006 و2008، بحسب الردادي.
لكنه يرى أن هذا التراجع يعد تراجعا سوقيا لا يعكس بالضرورة الأداء التشغيلي للشركات المدرجة، خصوصا أن العديد منها، وفي مقدمتها البنوك العشرة المدرجة، حققت أرباحا تاريخية خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام 2025، مسجلة نموا ملحوظا مقارنة بالسنوات السابقة.
وقال: "جاء تراجع المؤشر متزامنا مع انخفاض السيولة المتداولة، التي تُعد أحد أهم المؤشرات المؤثرة في حركة السوق، إذ إن ارتفاع قيم التداول غالبا ما يصاحبه صعود في أسعار الأسهم. وخلال العام الحالي، شهدت قيم الصفقات اليومية تراجعا ملحوظا، ما أسهم في الضغط على المؤشر، رغم قوة نتائج معظم الشركات المدرجة".
في المقابل، أسهم انخفاض أسعار الأسهم خلال العام في وصول 79 شركة وصندوقا إلى التداول دون قيمتها الدفترية، ما يعكس فجوة واضحة بين الأداء المالي للشركات وتقييماتها السوقية الحالية، بحسب وصفه.
هدوء لافت في الأسابيع الأخيرة
من جهة أخرى، أوضح المحلل المالي سلطان الخالدي أن سوق الأسهم السعودية تشهد في الأسابيع الأخيرة حالة من الهدوء اللافت، مع تراجع السيولة إلى مستويات متدنية جداً وسط تداولات محدودة ونطاقات سعرية ضيقة؛ وهو ما يُعرف بـ "مرحلة التجميع" (Accumulation Phase).
يشير الخالدي إلى أن هذه المرحلة غالباً ما تسبق تحركات سعرية كبرى – يغلب عليها الاتجاه الصاعد – ولاسيما عندما تكون الأسعار قريبة من قيعانها التاريخية.
وحول توقعات الأداء لعام 2026، يرى الخالدي أن السوق تمر بمرحلة تحضير لارتفاعات محتملة، خاصة مع وصول الأسعار لمستويات مغرية للشراء وانخفاض التقييمات إلى حدود جاذبة للمؤسسات الاستثمارية. وأضاف أنه رغم صعوبة الجزم بالتوقيت الدقيق لهذا التحرك، فإن المؤشرات النفسية والفنية تدعم الرؤية بأن هذا الهدوء هو إرهاصات لحراك إيجابي مرتقب على المدى المتوسط.
وفي استعراضه للوضع الراهن، وصف الخالدي حالة السوق بـ 'السبات'، نظراً لتداول الأسعار قرب مستوياتها الدنيا التاريخية وضعف السيولة اليومية، مع ملاحظة انحسار عمليات البيع وتفشي حالة من "فقدان الأمل" بين المتداولين الأفراد، وهو ما يفسر حدوث ارتدادات طفيفة ومؤقتة تظهر بين الحين والآخر دون محفزات جوهرية."