ارتفاع أسعار المباني .. واستمرار طول المعاناة
إذا كنا نشتكي من ارتفاع أسعار المباني وعدم قدرة بعض المواطنين على الحصول على مساكن فإنني أتوقع أن تطول المعاناة. حتى ولو ناقش مجلس الشورى وزير المالية فهو لن يستطيع أن يوقف العالم ويحل مشكلاته. فارتفاع أسعار المباني أصبح مثل المثل الذي يقول "إنك إذا أخرجت الجني من زجاجته فإنه من المستحيل إرجاعه إليها". أو العلبة المملوءة بالديدان عندما تفتحها فإنه من الصعب صفهم فيها مرة أخرى. وإذا كنا بدأنا الآن نشكو فغيرنا أو منهم أشطر منا في العالم شكا قبلنا وما زال يشكو. فارتفاع أسعار المباني وغيرها من الضروريات والكماليات مشكلة عالمية. ولكن في الإسكان هي تمس أهم جزءين أو مكونين لسعر المبنى وهما تكلفة الأرض وتكلفة البناء, وكلتاهما عالميا ومحليا في ارتفاع فلكي.
وفوق ما يعانيه العالم فإننا رزقنا حكمة جاءت في غير وقتها ومعاناة قد تميزنا عن غيرنا من الدول. وهذه المعاناة زادت الطين بلة, كما يقال. لذلك فإنني أعتقد أننا أولا لا بد لنا أن نقبل رأس مبتكر مبدأ السعودة وتوقيته الدقيق لها ونشكره على ضمانه لإعاشة العمالة الأجنبية وارتفاع رواتبها وعلى قتله صناعة المقاولات والمقاولين المعروفين الذين بنينا وبنت الدولة قدراتهم على مر السنين. ثم نشكره ومن شاركه على توجه مدخرات الجميع من بناء الشركات والمؤسسات التجارية إلى المضاربة في سوق العقار والأسهم بعد أن أقفلت الأبواب أمامهم بسبب قلة العمالة وتعقيدات وزارة التجارة. وهو الذي أدى إلى توجه الأموال والمدخرات إلى المضاربة في العقارات والأراضي ما رفع أسعارها ثم أتى هوامير الأسهم ليلتهموا مدخرات من تبقى.
كل هذا حدث في وقت كان العالم هادئا وأسعار مواد البناء والأراضي والعمالة معقولة جدا. وكان في متناول الجميع أو على الأقل كانت الأسعار أكثر متناولاَ للجميع. وقد كانت تلك فرصة لن تتكرر في حياتنا.
لقد تكالبت الظروف علينا محليا ودوليا. وضاعت الفرصة حيث إن الوقت الآن أصبح أصعب مما كان. ومن اغتنم الفرصة واشترى أو بنى قبل فهو الرابح. مع أن الوقت ما زال معقولا لمن يريد أن يسارع ويستغل الفرصة مقارنة بما ستصل إليه الأمور قريباًَ. فالتقارير والقراءات كلها لا تبشر بالخير لمحتاجي السكن. وأسعار مواد البناء والعمالة في ارتفاع مستمر, وليس ذلك فحسب بل إن بعض العمالة أصبحت لا ترغب في القدوم للعمل لدينا. ما سيسبب نقصا واضحا في العرض وارتفاع الأسعار والرواتب. فقد بدأت بعض العمالة في مضاعفة رواتبها ما بين العام وهذه السنة.
على أية حال الموت مع الجماعة رحمة كما يقال. فأسعار المباني لدينا مازالت أرخص من أسعارها في معظم دول العالم المتقدم. فبينما تكلفة البناء فقط دون الأرض لدينا هي في حدود معدل 1200 ريال للمتر المربع, إلا أنها أقل بكثير من معدل البناء في كل من بريطانيا وأستراليا وأمريكا وهو حدود معدل خمسة آلاف إلى سبعة آلاف ريال للمتر المربع. ونحن عادة نتبع القطيع. لذلك فإنني أتوقع أن نسمع بأرقام فلكية قريبا.
كما أن أسعار المتر المربع لشراء السكن (الأرض والمبنى) وصلت عالمياَ إلى معدل 60 ألف ريال للمتر المربع في لندن يليها 50 ألف ريال في طوكيو ثم 40 ألفا في هونج كونج وأخيرا في دبي معدل عشرة آلاف ريال. بينما نحن مازلنا في بحر ألفين إلى ثلاثة آلاف ريال /م2. فهل سنتوقف هنا؟
والحال موصول حتى في دول العالم الثالث فالأسعار ارتفعت في الأوروجواي لترتفع أسعار الشراء من معدل خمسة آلاف ريال/م2 إلى 20 ألف ريال/م2. وهذا الارتفاع أصبح موجة تحركها رياح عالية فوصلت إلى بقية أمريكا الجنوبية وشمال إفريقيا, والقادم أكبر وأصعب.
ويعزو الخبراء أسباب ارتفاع الأسعار إلى الزيادة أو ارتفاع معدل ازدياد السكان عالميا وخاصة في المناطق الحضرية والمدن, وأن الطلب على السكن أصبح كبيراَ خاصة في الدول النامية التي بدأت اقتصاداتها تنمو بسرعة مثل الصين والهند ودول شرق أوروبا وبعض أجزاء أمريكا الجنوبية. وهذا النمو تصحبه عادة نهضة عمرانية وارتفاع في دخول الأفراد وبذلك يزيد الطلب على الإسكان.
قد أكون قد أعطيت نظرة متشائمة, ولكنني أعتقد أنها حقيقة يجب أن نواجهها وأن نحاول انتهاز ما تبقى لدينا من الزمن، إن بقي شيء، لتتضافر جهودنا معا لحل مشكلة الإسكان. التي هي جزء مهم من مشكلات الغلاء وارتفاع المعيشة التي نواجهها حاليا. وقد نقول من مبدأ المقارنة إن ارتفاع سعر المسكن حاليا يعد معقولاَ مقارنة بسعر بعض الأساسيات الأخرى مثل السيارات. ولكن هناك فرقا كبيرا بين احتياجاتنا إلى كل منهما. فالسكن ضرورة وله أهميته خاصة في الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وإننا لا بد أن نسعى مليا لحل مشكلات غلاء المساكن وأن نجعلها في متناول الجميع.