أنواع الكذب

أنواع الكذب

يقول فرانسيس بيكون:
(إن خلط الكذب بالصدق مثل خلط الذهب بالفضة، قد يسهل استعماله، ولكنه يحط من قيمته، وهذه السبل الملتوية تشبه سير الأفعى فتسير زحفا على بطنها وليست سوية على أقدامها).
والقرآن نعى هذا الأسلوب على أهل الكتاب أنهم (يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون)، وهو من أشد أساليب الكذب خفاءً.
والكذب ليس واحداً بل عشرة:
ويعرف باختصار أنه إخبار متعمد بخلاف الواقع.
لذلك تعددت صوره بين من يتزلف للأقوياء فيمدحهم؛
ـ فهناك أولاً مدح الناس بما ليس فيهم ولذلك جاء الحديث: حثوا في وجوه المداحين التراب. وهذا لون من الكذب.
ـ وهناك ثانيا ما يعرف بالكذب الخفيف، وهو كثير الانتشار بين الناس، عندما يدعي البعض ما ليس فيهم، وهو (المبالغة) ولذلك ربط القرآن بين الكذب والمبالغة بقوله إن الله لايهدي من هو مسرف كذاب.
ويروى في هذا قصة عن جحا عندما زعم أنه بنى مسجدا طوله 20 كم وكان قد حذره صديقه من ذلك؛ فقال اسعل أو اعطس إذا سمعت مبالغاتي، فلما ذكر الرقم اعترت صاحبه نوبة حساسية رهيبة وعطاس متلاحق حتى كاد أن يختنق، فالتفت القوم إلى جحا وسألوه كم عرض المسجد؟ قال متر واحد؟؟ صاح الجمهور بصوت واحد لقد ضيَّقته يا جحا؟!
التفت جحا إلى صديقه الذي كان يلملم بقية سعاله، وقال الله يضيّق على من ضيق علي؟
ـ وهناك ثالثا الكذب السياسي، وهو الذي نعرفه عن الإذاعات العربية، وليست الوحيدة، فهي تذكر التافه وتخفي المهم وتعظم الصغير وتصغر الكبير وهو ما سماه المفكر الأمريكي (نعوم تشومسكي) (فبركة الإعلام) فيكفي أن يذكر خبر صغير يكررونه حتى يتحول إلى طوفان نوح.
والناس لا تستوعب لعبة الصراع الفكري، التي كتب عنها مالك بن نبي مطولاً، وهكذا يهرع الإعلام الغربي في غير نزاهة أو موضوعية أو حياد في كثير من المناسبات فيلعب هذه اللعبة فيكرر خبرا تافها أو يضخمه فيجعل صورتنا في العالم كاريكاتور؟ فهذا كذب متعمد ولكن لا يظهر منه الكذب.
ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول اللهم أشكو إليك ضعف التقي وقوة الفاجر.
ـ وهناك رابعا المزج الخبيث بين الحقيقة والكذب، والاقتصار على بعض الحقيقة، فيظهر نصف الحقيقة، وهي ليست حقيقة، كما لو استخدم أحدهم نصف آية مثل (لا تقربوا الصلاة) أو ( يد الله مغلولة) أو (إن الله فقير)؟ فلا يمكن معرفة الحقيقة ما لم يكمل صاحبها (وأنتم سكارى) أو (غلت أيديهم بما قالوا) أو (ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق).
ـ وهناك خامسا لون خطير من الكذب عندما يتلون الناس في أخلاقهم، فيظهرون خلاف ما يبطنون، وهو (النفاق)، وهم عناصر خطيرة مدمرة، مثل الجراثيم في الجسم، هم العدو فاحذرهم، وكان مصيرهم في الدرك الأسفل من النار.
ـ وهناك سادسا إخلاف الوعد والفجور في الخصام ودفع الأمور إلى حدها المتطرف في الخلافات، وهو النفاق العملي، وهي أخلاق سيئة وكثيرة الانتشار، وبكل أسف عندما أتذكر الألمان، أذكر حفظهم للوفاء والكلمة الصادقة ودقة المواعيد وقيمة الوقت واحترام الإنسان وحفظه في غيبته، وهي من أخلاق الإسلام ولكنها فاضت عندهم وغاضت عندنا.
ـ وهناك سابعا التكتم على الأخبار والكذب للتعمية عليها، وهو ديدن السياسيين ووصف أحدهم السفير أنه رجل شريف يكذب لمصلحة بلاده.
ـ وهناك ثامنا الافتخار والانتفاج والله لا يحب كل مختال فخور.
ـ ولعل أشنع صور الكذب شهادة الزور التي قرنت بالشرك بالله، وفي يوم خبطني رجل من الخلف فقفز اثنان وتبرعا أن يشهدا أنني من رجعت للخلف وضربت الرجل، ولكني احتطت وأوقفت سيارتي حتى جاء الشرطي فحكم لي ولكنه تهرب وترك في نفسي حزنا لا أنساه من غدر الناس.
ـ وأخيرا عاشرا هناك اختراع قصة لا أصل لها.
وحسب تقديرات قناة الديسكفري فكل منا يكذب كل عشر دقائق كذبة صغيرة أو كبيرة، وهذا يجعلني أخاف من عذاب ربي وأطلب رحمته فلو حاسبنا عدلا قضي علينا فلنرجو رحمته، وكتب على نفسه الرحمة.
وإن الله لا يحب كل مسرف كذاب.

الأكثر قراءة