سياحة الخوري إلياس الموصلي .. أول سائح شرقي إلى «أمركة»
في عام 1905 بينما كان الأب أنطوان رباط اليسوعي يفتش في مكتبة مطرانية السريان في حلب، عثر على مخطوطة عربية بعنوان "سياحة الخوري إلياس الموصلي"، وبعد قراءته الكتاب اكتشف أهميته، فهو يمثل رحلة أول سائح شرقي إلى أمريكا، فكتب دراسة عن المخطوطة ونشرها في العدد 18 من مجلة "المشرق" الصادر في أيلول (سبتمبر) عام 1905، مع تحقيق جزء من المخطوطة، ثم أكمل بقية التحقيق في أعداد أخرى من المجلة تحت عنوان "رحلة أول سائح شرقي إلى أمركة". وهو أول من نشر هذا الكتاب. وفي عام 2001 صدرت الرحلة بتحرير وتقديم نوري الجراح عن دار السويدي، والمؤسسة العربية للدراسات والنشر، تحت عنوان "الذهب والعاصفة، رحلة إلياس الموصلي إلى أمريكا"، ولا أجد تبريرا للجوء أنطوان رباط ونوري الجراح إلى تغيير العنوان الأصلي للكتاب.
بدأت رحلة إلياس بن حنا الكلداني الموصلي إلى أمريكا في ربيع عام 1668، إذ انطلق من بغداد إلى الشام قاصدا بيت المقدس، ثم توجه بعدها إلى مدينة حلب التي مكث فيها أياما ليغادرها إلى ميناء الإسكندرونة، حيث استقل مركبا قاصدا أوروبا، وأمضى 70 يوما من الإبحار، مر خلالها في قبرص وكريت، حتى وصل إلى البندقية، ومكث في الحجر الصحي 40 يوما، وبعدها أخذ يتنزه لمدة 20 يوما، ثم غادر إلى روما ومكث فيها ستة أشهر، ثم غادرها عبر فلورنسا وليفورنا وجنوا إلى فرنسا. فتوجه من مرسيليا إلى أوبنيون فليون التي فيها التقى القنصل الفرنسي السابق في حلب وبغداد، وفي باريس زار الملك لويس الرابع ونال منه حفاوة وتكريما. ثم قصد إسبانيا ووصل مدريد حاملا رسائل من البابا إكليمونس التاسع إلى ملكة إسبانيا، ثم مضى بجولات بين المقاطعات الإيطالية وجزيرتها، ليعود بعدها إلى مدريد فاستقبلته الملكة ثانية، ومنها توجه إلى البرتغال وفي لشبونة أقام مدة سبعة أشهر، ثم عاد إلى مدريد والتقى ملكة إسبانيا التي أعطته تصريحا يجيز له العبور إلى أمريكا أو كما يسميها "بلاد هند الغرب".
وفي شباط (فبراير) عام 1675 بعد مرور سبع سنوات على مغادرته بغداد، وصل رحالتنا إلياس الكلداني الموصلي إلى قادش، وفيها التقى دون نيقلاس ده كوردووا جنرال السفن الذي خصص له غرفة في السفينة الملكية التي تبحر إلى أمريكا مرة كل ثلاث سنوات. وفي طريقه إلى أمريكا مر الموصلي بجزر الكناري ليصل بعد ذلك إلى أول مدينة في العالم الجديد وهي كراكاس، فجزيرة مرجريتا، فكرتاخينا، وبورتوبيلو في فنزويلا، ثم إلى بنما، ومر خلالها بعديد من المدن والقرى والجزر، وتجول في البيرو وجواتيمالا، وكولومبيا والتشيلي وبوليفيا، ووصل إلى مناطق خط الاستواء، وزار مناجم الفضة والذهب والزئبق في المستعمرات. وفي طريق عودته إلى أوروبا، بعد سياحة دامت ثماني سنوات، زار المكسيك أو كما يسميها بلاد ينكي دنيا، وأمريكا الوسطى، وتوقف في جزيرة كوبا. وفي عام 1683 ركب سفينة متوجهة من كوبا إلى إسبانيا ثم روما.
ويرجح أنه عاش بقية عمره في روما، ومات ودفن فيها، لوجود إشارة إلى كتاب طبع بالعربية في روما عام 1692 على نفقة إلياس الموصلي.
تحدث الموصلي في رحلته عن مشاهداته وفي بعضها غرابة، ومن عناوين فصول رحلته: جزيرة السلاحف، خزنة الملك، النبات القاتل، وصف التمساح قيمان، القصب الشاهق، مدينة الذهب، جبال من ذهب، أرض الزئبق، المياه المتحجرة، سهام الهنود ورصاص الإسبان، الزلزال.