قصة جَبَلة بن الأيهم

قصة جَبَلة بن الأيهم

قصة جَبَلة بن الأيهم

[email protected]

جاء في كتاب (المحاسن والمساوئ) للبيهقي ص 72 قصة جبلة بن الأيهم وكان من ملوك الغساسنة، الذين قرر مصيرهم دون عودة مع إعصار الإسلام في الشرق الأوسط، أن الرجل حين رأى نموذج المسلمين الجدد ووقارهم وانضباطهم أحب فعلا الدخول في الإسلام، ولكنه لم يتوقع المفاجأة التي كانت بانتظاره في بلاد الحجاز، فالمنظر الخارجي خلفه آليات جديدة لم تكن في حسابه، وانتبه عمر إلى ذلك، فلما سمع بمقدمه أوصى الناس بتعظيمه وتوقيره وقال استقبلوه وأظهروا تبجيله فإنه قريب العهد بالملك؟ وفعلا انتبه جيل الصحابة الجديد إلى الآليات النفسية حتى يعتنق الإسلام فيحسن إسلامه ويبدأ في تفهم روح المساواة والعدل في المجتمع الجديد، ولكن حادثة عكرت الجو وقلبت له ظهر المجن.
تقول الرواية إن عمر رضي الله عنه أحسن استقباله "فقرب مجلسه وأدناه ووعده من نفسه خيرا" وأقام بالمدينة حتى موعد الحج ثم خرج مع عمر لأداء الفريضة، وكان متشحا برداء وإزار، وحدث وهو في الطواف أن وطئ أعرابي إزاره فانخلع عنه وانكشفت عورته، فغضب جدا ولطم الأعرابي على وجهه (ولا ندري الكلمات التي فاه بها)، فاجتمع الأعرابي وجماعته عليه دون ضربه أو إهانته بل اقتادوه إلى عمر للقصاص، فقد أصبح العرب في دولة القانون، فنظر جَبَلة إلى عمر وهو ينتظر ما يحب، قال له عمر: أنت بالخيار أمام اثنين فإما لطموك كما فعلت أو تفاهمت معهم على إسقاط حقهم؟! صعق جبلة وقال: " وكذلك هذا الدين لا يفضل فيه شريف على وضيع ولا ملك على سوقة؟"..
كان جواب عمر رضي الله عنه أنه في الإسلام لا فرق بين شريف ووضيع في الحق..
وكان جبلة يتوقع وهو من سلالة الملوك أن لا يعامل مع الإعرابي بهذه الطريقة، وأن يتم (لفلفة) الموضوع، وكلها ضربة (كف) بسيطة؟؟
وهذه القصة تذكر بواحدة مشابهة حين استدعي حاكم مصر (عمرو بن العاص) بسبب أن ابنه ضرب ولدا قبطيا بغير حق في سباق كفا وقال أتسبقني وأنا ابن الأكرمين؟؟ فجاء القبطي على ظهر جمل ليقابل عمر رضي الله عنه من أجل (كف)؟؟ لأنه أدرك القوة التحريرية الجديدة من روح العدل، وأن ضربة كف معناها لاحقا ضربة سيف.. فعدل عمر ورفع الدرة على صلعة عمرو وقال له لولاك ما ضرب ابنك ثم قال قولته الشهيرة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.
في تلك الليلة فكر جبلة بن الأيهم وأوعز لمن معه بالرحيل تحت جنح الظلام، وولى ولم يعقب وأعلن ارتداده عن الإسلام في حضرة ملك الروم واعتناقه النصرانية.
ودارت الأيام دورتها حتى كان عصر معاوية بن سفيان فأرسل (تميم بن بشر) يحمل له رسالة، فلما قدم قال له عندي رجل من العرب فهل تريد رؤيته، وإذا به جبلة بن الأيهم.
قال تميم دخلت مجلسه فذهلت من جدران مطلية بالذهب والفضة وصور ولوحات جمالية تغشى البصر.. قال وكان عنده بطارقة الروم فصرفهم ثم اختلى بي فقال حدثني عن العرب قال فحدثته فبكى حتى كاد أن يهلك ثم أنشد يقول :
تنصرت بعد الدين من عار لطمة وكان فيها لو صبــرت لها ضـــرر
تكتنفني منها لجــــاج ونخـــــوة فبعت بها العين الصحيحة بالعـــور
وياليـــت أمي لم تلــدني وليتـني ثويــت أسيـرا في ربيــعة أو مضــر
وياليتني أرعى المخاض بقفـــرة ولم أنــكر القــول الــذي قالـه عمــر
وياليت لي بالشـــام أدنى معيشة أجالس قومــي في العشـيات والبـكر
أدين لما دانــوا به من شـريـعــة وقد يجلس العير الضجور على الدبر
قال تميم ثم دعاني للغداء فأكلنا، ثم دخلت علينا مغنيتان واحدة بربط والثانية بمزمار، ثم دخلت جاريتان واحدة في يدها جام فيه مسك، والثانية جام (وعاء كبير) فيه ماء ورد، ثم فوجئت بدخول طيرين كبيرين مثل الطواويس فسقطا في المسك بجناحيهما فرشاه علينا. ثم غنتا المغنيتن فبكى جبلة حتى اخضلت دموعه لحيته ثم سألني ما فعل ابن الفريعة (أي حسان بن ثابت) قلت بخير ولكن كف بصره فأمر بـ 400 دينار ذهبي فأرسله له هدية ودموعه تملأ محجريه.
فهذه القصة تحكي دفعة العدل التي حملها الإسلام قبل أن تتحول أمة الإسلام إلى دولة بيزنطية هرقلية.. وما زالت.

الأكثر قراءة