مجموعة العشرين.. قاطرة جماعية لتنفيذ الحلول الاقتصادية «الصعبة»

مجموعة العشرين.. قاطرة جماعية لتنفيذ الحلول الاقتصادية «الصعبة»

لربما لم يكن الاقتصاد العالمي في حاجة إلى مجموعة العشرين منذ تأسيسها حاجته إليها الآن. فالمجموعة التي قرر قادتها في قمتها المنعقدة في أستراليا في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، رفع الناتج المحلي الإجمالي على المستوى العالمي بنحو 2 في المائة بحلول عام 2018، ما يعني عمليا إضافة تريليوني دولار أمريكي إلى الاقتصاد الكوني، وما يمكن ترجمته إلى نحو 200 مليون فرصة عمل لملايين العاطلين عن العمل حول الكرة الأرضية. قرروا أيضا العمل على سد الفجوة بين الجنسين بنسبة 25 في المائة، وهذا وحده يمكن ترجمته مرة أخرى إلى ملايين من الوظائف لنساء لم يعملن من قبل. قد تبدو كل هذه القرارات في غاية الأهمية، لكنها لا تجيب عن السؤال الأساسي لماذا كشف عام 2014 عن الأهمية المتزايدة للمجموعة؟ وهل ستنجح المجموعة في الحفاظ على هذه الأهمية وتعزيزها خلال العام المقبل أم ستخفق في ذلك؟ الدكتور بانيتش لوور من معهد الدراسات الدولية يعتقد أن المجموعة استطاعت التغلب خلال عام 2014 على التحدي الأساسي المتعلق بوحدتها ، فرغم اختلاف وجهات النظر السياسية داخلها من قضية دولية متفجرة وهي الأزمة الأوكرانية فإن المجموعة لم تنقسم أو يصبها شرخ. ووفقا للدكتور بانيتش، فإن تباين وجهات النظر السياسية جاء في مصلحة المجموعة، وساعدها في التركيز على الشأن الاقتصادي أكثر. ولـ “لاقتصادية” يعلق قائلا “ عند الحديث عن مجموعة العشرين علينا أن نتذكر مجموعة من الأرقام التي ربما تجعلها أهم مجموعة اقتصادية في العالم، فمجموعة العشرين تنتج 80 في المائة من الناتج المحلي العالمي، وتهيمن على 90 في المائة من التجارة العالمية، وتضم ثلثي سكان العالم، إضافة إلى أن عضوية المملكة العربية السعودية تجعلها عمليا متحكمة في سوق الطاقة العالمية، “ويضيف” هذه المجموعة من الأرقام لا تنبع أهميتها من قوتها وضخمتها فحسب، ولكن من وحدة الرؤية الاقتصادية لبلدان المجموعة بشأن كيفية التعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية، وعلى الرغم من وجود بعض الخلافات البينية في الشأن الاقتصادي مثل موضوع الضرائب مثلا، إلا أنها قضية تفصيلية ، لا تؤثر في الاتجاه العام للمجموعة”. وإذ منح الاتفاق الاقتصادي الداخلي المنظمة قوتها حتى الآن مقارنة بمجموعات اقتصادية أخرى، مثل مجموعة الثماني التي شهدت شرخا سيمتد لبعض الوقت نتيجة خروج روسيا منها، فإن نجاح قادة العشرين في الفصل بين مواقفهم السياسية من القضايا الدولية المختلفة من جانب والقضايا الاقتصادية من جانب آخر قد كشف عن درجة من الوعي الداخلي الذي يؤهل المنظمة للقيام بدور الرافعة للنظام الرأسمالي العالمي. ولـ “لاقتصادية” تعلق لورين إدرين الباحثة في المعهد الدولي للدراسات الاقتصادية قائلة “للوهلة الأولى تبدو مجموعة السبع أكثر تجانسا من مجموعة العشرين من حيث تقارب المنظومة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للدول الأعضاء، لكن مجموعة العشرين تبدو أكثر تمثيلا للاقتصاد والمجتمع الدولي، بما تمتلكه من تنوع في عوامل القوة، وهذا يمنح المجموعة القدرة على التأثير في الاقتصاد العالمي، ويجعلها أكثر قدرة على القيام بدور محفز للأسواق الدولية “وتضيف” مجموعة العشرين بعكس مجموعة البريكس التي تضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، فهذه المجموعة وعلى الرغم من عوامل القوة الاقتصادية لديها، إلا أنها تبدو وكأنها مجموعة متمردة تعمل على تحدي الاقتصادات الدولية الغربية، مجموعة العشرين برهنت بشكل واضح وقاطع خلال العام الماضي، على أنها ليست ناديا للأغنياء مثل مجموعة السبع، أو مجموعة ترمي إلى الإطاحة بالكبار كمجموعة البريكس، وكشفت عن نضج سياسي واقتصادي بأنها تعمل على تبني قضايا اقتصادية تشغل بال الجميع، وتمثل تحديا لدول العالم كافة”. وتكشف وجهة النظر تلك قناعة عديد من المختصين بأن مجموعة العشرين طرحت نفسها خلال عام 2014 كقاطرة جماعية قادرة على إخراج الاقتصاد العالمي من كبوته الراهنة، وعدم ترك الأمر على الاقتصاد الأمريكي وحده. وأدت المجموعة خلال عام 2014 دورا رئيسا في تفادي نزعة الحماية الاقتصادية المتصاعدة لدى بعض بلدان المجموعة، المصابة بالإحباط من جراء عدم نجاح السياسات المالية في إحداث النمو الاقتصادي المطلوب، وكانت الرياض في مقدمة تلك البلدان التي عارضت أي إجراءات تؤدي إلى زيادة الحماية التجارية لما لها من تأثير سلبي في نمو التجارة الدولية. ومع هذا فان بعض الأكاديميين يدعون إلى توسيع نطاق المجموعة لضمان تزايد قدرتهأ في التأثير في الاقتصاد العالمي، ويقترح الدكتور فليب أوترم مدير معهد الدراسات الاستراتيجية للاقتصادية قائلا “ الدعوة لتوسيع نطاق المجموعة لا يعني توسيع نطاق العضوية، وإنما عبر إحداث تحول تدريجي في برنامج عمل المجموعة ، التي أسست كرد فعل على الأزمة الاقتصادية العالمية، وعلى الرغم من الأزمة لا تزال متواصلة إلا أنها لم تعد بالحدة التي كانت عليها في مراحلها الأولى، وعليه فأنا أعتقد أن جدول أعمال المجموعة خلال العام المقبل لربما يشهد توسيعا في نطاق أعماله الاقتصادية والسياسية والأمنية”. إلا أن توسيع نطاق المجموعة ليتضمن جدول الأعمال جوانب سياسية وأمنية مثار جدل لا يحظى بقبول واسع بعد من قبل صناع القرار داخل المجموعة، تحسبا من أن يؤدي توسيع نطاق جدول الأعمال إلى خارج النشاط الاقتصادي إلى تفجر خلافات داخلية تؤدي إلى عمليات استقطاب حادة، بما يصيب مجموعة العشرين بالشلل ويؤدي إلى القضاء على ما حققته من نجاحات حتى الآن. ولا يتنافى ذلك مع مطالبة بعض الدول المؤثرة في المجموعة بألا تقف الجهود المبذولة عند حدود محاولة الإصلاح المالي، وأن تتطرق إلى قضايا العدالة الدولية لدفع النمو في البلدان ذات الدخل المنخفض، وكذلك مكافحة الفساد والتهرب الضريبي، من منطلق أن التصدي لتلك القضايا سيعزز ليس فقط من معدلات نمو الاقتصاد العالمي، بل سيمنح المجموعة قوة دفع إضافية تمكنها من تعزيز تأثيرها في مسيرة الاقتصاد العالمي. ويدفع هذا الاتجاه بالبعض إلى القول إن المجموعة تتحول تدريجيا إلى منظمة موازية للأمم المتحدة في المجال الاقتصادي لكنها أكثر فاعلية منها، دون أن تقع في فخ “النخبوية” أو أن تتحول إلى مجموعة تضم الدول الثرية فقط، كما هو حال مجموعة السبع حاليا. وإذ كان العام الماضي قد شاهد مزيدا من التبلور في أداء عمل مجموعة العشرين، فإن السؤال الأساسي الذي سيطرح بشأن المجموعة خلال عام 2015 هو فض الالتباس في العلاقة الحالية مع مجموعة السبع . فمجموعة السبع وعلى الرغم من أهميتها لا تزال في عرف الكثير من الحكومات والمؤسسات “ناديا للأثرياء”، ويتخوف كثير من الاقتصاديين من أن تصبح مجموعة السبع “لوبي” داخل مجموعة العشرين ، وأن تهيمن عليها وتوجهها إلى المسار الاقتصادي الذي تريده، حيث يصبح دور مجموعة العشرين هو إضفاء الشرعية الدولية على القرارات المتخذة داخل مجموعة السبع. وكان الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي لم يخف وجهة نظره بأن المستقبل قد يكون مضمونا أكثر بالنسبة لمجموعة السبع مقارنة بمجموعة العشرين إذ صرح قائلا “التنسيق التلقائي ووجهات النظر المتقاربة تبدو أكثر توحدا داخل مجموعة السبع مقارنة بمجموعة العشرين”. وقد وصف الاقتصاد الأمريكي الشهير هيج فاستر تصريحات ساركوزي في حينها بأنها “معوق داخلي لانطلاق مجموعة العشرين للأمام”. وإذ كانت تصريحات ساكوزي تكشف عن تحد داخلي لمجموعة العشرين، ينجم في الأساس عن التباين الضخم في درجة التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في داخلها، فإن البعض يرى أن هذا التباين يمكن استغلاله بصورة تحقق مصلحة جميع الأطراف. ولـ”الاقتصادية” تعلق الدكتورة لورين إدرين الباحثة في المعهد الدولي للدراسات الاقتصادية “هذا التباين الداخلي إذا ما أحسن استخدامه يمكن أن يعود بالفائدة ليس على بلدان المجموعة وإنما على المجتمع الدولي ككل، فبخلاف مجموعة السبع التي تبدو بالنسبة لكثير من الاقتصادات الناشئة على سبيل المثال مجموعة لا تشعر بالارتياح ، ويحيط بها الشكوك من حيث نياتها الحقيقية تجاه الاقتصادات النامية، فإن وجود بلدان مثل البرازيل والصين وجنوب إفريقيا والسعودية وتركيا في مجموعة العشرين يضيف شعورا من الطمأنينة بين البلدان غير الأعضاء في المنظمة، بأن القرارات الصادرة عن المجموعة ترمي في حقيقتها إلى تحسين أوضاع الاقتصادات الصاعدة والنامية على حد سواء”. وعلى هذا يعتقد المختصون أن أحد التحديات الكبرى التي ستواجه عمل المجموعة خلال هذا العام - حتى وإن لم تطرح بين قادتها بشكل مباشر - هي الحاجة الماسة إلى البرهنة للرأي العام العالمي وللدول النامية أن كون مجموعة السبع أعضاء ضمن مجموعة العشرين، فان هذا لا يعني أن المجموعة ستتحول إلى منتدى تهيمن عليه الدول الغنية، وأنها ستظل تعمل على تحقيق القواسم المشتركة بين البلدان المتقدمة من جانب، والاقتصادات الناشئة والبلدان النامية من جانب آخر ، عبر جمع كل الأطراف الدولية الفاعلة اقتصاديا تحت سقف واحد، ليكون ذلك هو الضمان الأساسي لنجاح المجموعة في إحداث تغيير ملموس وجوهري في النظام الاقتصادي الدولي.
إنشرها

أضف تعليق