الأسرة وتماسك المجتمع
كما يعلم القراء الكرام أن حديثنا يوم الثلاثاء الماضي انصب على أهمية تقدير الآباء لظروف أبنائهم أمام التغيرات التي يتعرض لها المجتمع الحديث مقارنة بالماضي ، وأن على الآباء أن يكونوا أكثر حكمة وعطفاً على الأبناء دون أن يصل العطف إلى الرقة غير المحمودة والدلع، وكان المقال بعنوان (هلموا إلينا أبناءنا) وكنت في مقال سابق قد ناديت الأبناء أن يكونوا أكثر التصاقاً ورحمة وحضوراً مع آبائهم ليساعدوهم وليتعلموا منهم الكثير في الحضر والسفر، وقد لمس الكثير عزوف الأبناء عن آبائهم مما أدى إلى اعتماد الآباء على الخدم والحشم بعد أن كوّن الكثير من الأبناء شللاً وجماعات مع أصدقائهم وكثر الابتعاد عن المنزل والأسرة، وأشرت أمام ذلك العزوف إلى أن آفة (عقوق الوالدين) خاصة وقطع الصلة بالأرحام عامة كل ذلك يؤدي تدريجياً إلى تصدع صرح المجتمع وظهور نزيف ناتج عن أمراض المجتمع مثل (العنف الأسري)، (الشكاوى التي تصل إلى حد المحاكم ضد الآباء وضد الأبناء)، (هروب الفتيات)، (الكسل وعدم الرغبة في العمل)، (عدم الإقبال على الدراسة) ...إلخ، وفي هذه الزاوية أتناول أهمية تماسك الأسرة ليستمر بناء وتنمية المجتمع وصلاحه.
ولا شك أن الأسرة في كل مجتمع بشري هي النواة التي تتكون منها الشعوب والأمم، فإذا صلحت الأسرة وتماسكت أصبحت الشعوب والأمم أكثر قوة ومنعة والتحاماً وبخاصة في المحن والأزمات وساد الأمن والسلام وازدادت المحبة بين الناس وتلاشت أمراض المجتمع. وعماد الأسرة وهامتها وقوتها تعتمد بعد الله تعالى على الوالدين (الزوج والزوجة) وهما (الأب والأم)، وتتكون الأسرة من الأبناء (بنين وبنات)، وقد وجدت أن أهم القيم والأخلاق الكريمة التي يجب على الأبناء الالتزام بها والحرص الشديد عليها هي مكرمة (بر الوالدين)، وينمو ويترعرع هذا الخلق الكريم بما يوليه الوالدان من اهتمام ورعاية وتربية لأبنائهما منذ نعومة أظفارهم وبخاصة حثهم وأمرهم بالصلاة لسبع ثم ضربهم بلطف لعشر إذا لم يصلوا، وأن يكون الوالدان قدوة حسنة للأبناء وعادلين وصادقين ورحماء معهم وأن يدعوا لهم بالهداية والصلاح وأن يطعموهم من الحلال وأن يحرص الوالدان على تعليم أبنائهم وأن يبدأ التعليم بتلاوة القرآن الكريم والاهتمام بعلومه تدريجياً، فكلام الله تعالى مفتاح العلم وقوام التربية وبناء الشخصية وفصاحة اللسان وحافز على الصلاة والأعمال الصالحة، وقد لاحظت أن تعلم وقراءة القرآن يفتح الشهية للعلوم بكل أنواعها. هذا وعلى الآباء أن يتابعوا أبناءهم وعدم الانشغال عنهم بالعمل والتجارة والسفر والأصدقاء، فإذا أتقن الوالدان ما ذكرت فلا شك أن الأبناء سيكونون بعون الله تعالى من البارين بهما، وقد وجدت أن البر كلمة صغيرة في حجمها كبيرة في معناها لا تتعدى الحرفين ورغم ذلك فالبر عبارة عن قلادة ثمينة تتكون من مجموعة كبيرة من الفصوص المرصعة بالذهب واللؤلؤ وهذه الفصوص هي المكارم الآتية: (الصدق)، (العطف)، (الشفقة)، (المحبة)، (الرحمة)، (الطاعة)، (الصبر)، (الوفاء)، (البشاشة)، (التقوى)، و(السكينة). كما أن هناك صفة شاملة للبر فيقال إن من البر (الصلاح) و(الخير) و(الصدقات من أفضل الموجود) ويشار للبر بأنه (الأخلاق الكريمة) ويكفي أن (الَبَر) بفتح الباء من أسماء الله الحسنى، قال تعالى (إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البَر الرحيم) . لذلك فالبر بصفة عامة مع الناس وبخاصة الأرحام والأقارب، وبر الوالدين من أهم دعائم الأسر والمجتمع بصفة عامة، فإذا ما اهتممنا ببر والدينا وفعلنا كل تلك المكارم المتعددة فإن ذلكَ يؤدي لرضى الله تعالى ويؤدي أيضا لسعادة الوالدين وحثهما على الدعاء للأبناء، وهذا يسبب سعادة الأبناء، كما أن بِر الوالدين يؤدي للاهتمام بصلة الأرحام والأقارب وأصدقاء الوالدين، وستستمر الصلة والعلاقة بهم حتى بعد وفاة الوالدين كل ذلك سينشر المحبة والتعاون بين مجموعة كبيرة من الأسر وبالتالي سيؤدي إلى قوة وتلاحم المجتمع في السراء والضراء، وإلى اللقاء في موضع آخر في الثلاثاء المقبل بعون الله تعالى.
عضو هيئة حقوق الإنسان
فاكس 014708199