سأتكلم من منطلق إسلامي

سأتكلم من منطلق إسلامي

لن يقرؤوا ما كتبته حين يعلمون أنك تتكلم من المنطلق الإسلامي ذلك هو ما قاله لي أحد الأصدقاء حينما قرأ شيئا مما كتبته! أصبح البعض يشمئز حتى من ذكر كلمة مسلم أو إسلامي و لن ألوم الآلة الإعلامية في ذلك إذ أن الإعلام الآن أصبح بيد الجميع و في متناول الصغير و الكبير. سأتحدث بشيء يسير عن النهضة و الحضارة من منطلق إسلامي محاولا تجاوز أهم الإشكاليات و المعوقات التي قد تكون مبررا لمن لا يتكلم من منطلق إسلامي. يجدر بنا في البداية أن نشير إلى أن الدين يعتبر هو النتاج الطبيعي و التلقائي للإنسان إذ أن تفكير الإنسان و قدراته العقلية تتوقف أمام عديد من معضلات أسئلة الوجود و النهاية و ما بعدها إلى عدد لا متناهي من الأسئلة التي تلد بعضها فمنذ طاليس مرورا بسقراط و حتى فلاسفة العصر الحديث نجد السؤال يصنع عشرات الأسئلة بينما تظل الإجابة غير حاضرة فكل تفسير يحتاج تفسير و كل تبرير يطلب تبريرا له. أستطاع الدين أن يتجاوز هذا الأمر فهو يمنح المتدين به تفسيرات تستند إلى أن ثمة قوة مبدعة تحكم العالم و تدبر شؤونه و هذا الإستناد الذي يعتبر عمود فقري في الأديان بصفة عامة وهو في أصله تسليم إلى إرادة ربانية متحكمة تتجلى في ما يقوم به الفرد و تفسر ذلك على ضوء هذا الأصل. إلا أن ثمة إشكال يظهر هنا وهو في موضوع التسليم إلى إرادة ربانية ما يعني التخلي عن أشكال التفاعل في الحياة و التعامل مع ظروفها ليكون ذلك تبريرا للزهد بالدنيا و إنحيازا إلى الدين و هذا الإشكال فعلا موجود في الأديان غير دين الإسلام إذ أن الإسلام تجاوز ذلك فالدين الإسلامي لم يقف عند الإشارة إلى أن الله هو المتحكم و المتصرف بل وصف و أرشد إلى الطريقة العملية التي يستطيع من خلالها هو أن يتحكم و يتصرف أيضا فمن يدين بالإسلام يدرك أن إشارة الإمام الماوردي حين قال : "القدر موكل بالمنطق" لم تأتي من فراغ إذ أننا نجد أن دين الإسلام يتمكن من الإجابة على أصعب الأسئلة و أكثرها تعقيدا. ما سنحاول الإشارة إليه هنا بعد هذه المقدمة هو عن مدى إمكانية الإجابة على سؤال الحضارة و الهوية فهل بإمكان الإسلام أن يعالج الأضطراب والقلق في المشهد الثقافي و تحديدا موضوع الهوية؟، و هل سيستطيع أن يُسعد الإنسان و يؤمنه من الخوف ؟، و أخيرا ماذا عن إمكانية تحرير و بعث عوامل الإبداع والإنشاء التي تستنهض المتدين به في أن يمضي نحو طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها؟ نحسب أن الهوية و تحديدا في سؤال من نحن قد أصبح حاضرا أكثر من أي وقت مضى وهو ما قصدناه حين قلنا بالإضطراب و القلق الذي يعاني منه المشهد الثقافي إذ لم تتوقف حتى الآن محاولات التفسير و فهم الذات حتى اليوم. المحاولة هنا لا تعني أبدا أنها تجعل من المحاولات السابقة أو القادمة ملغية إذ أن المجال يستوعب الجميع كما نتصور و لا شك عندنا بأن كل من يحاول هو بالضبط يريد أن يصل إلى تفسير منطقي يتم من خلاله صناعة حضارة و التحرير من وحل التخلف. جاء في كتاب الله الكريم وتحديدا في سورة آل عمران آية عظيمة يقول الله سبحانه و تعالى فيها ’’كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ’’ وفي موضع آخر: ’’وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا’’ هذه الأمة التي يتحدث عنها القرآن الكريم و يصفها بالخيرية ذاكرا خصائص لها و مبينا السمات التي تحملها و هي بالتفسير الذي نتصوره هوية فالأمة هنا بينت حقائق و مميزات مجموعة من البشر بمعنى أنها استطاعت تمييزهم؛ ، و أيضا كونت المفهوم الذي يكون عليه الفرد من فكر وسلوك بحيث جعلت الأخلاق التي عبر عنها نبي الرحمة صلى الله عليه و سلم سلوكيات و منهجية كما أنها أيضا صنعت لنا طابع خاص نتصرف من خلاله. يأتي بعد ذلك سؤال مقدرة الإسلام على تأمين الإنسان من الخوف و جعله يعيش بأمان ولعل أقرب صورة لذلك هي صورة السعادة في الإسلام كما نسميها فالمسلم ينظر إلى نفسه على أنه مسؤول شخصيا عن نشر كل أنواع السعادة من خلال إقرار الحق الذي تتفق عليه أمة المسلمين و إزهاق الباطل بالطريقة التي تحافظ على صورة السعادة وهو أي المسلم بنشره لتلك السعادة تتحقق في داخلة سعادة أقوى و أكثر من تلك التي ينشر إذ أنها سعادة مرتبطة بغير الأمور المادية و متعلقة بالرضا الرباني. و أخيرا ناتي الى سؤال إمكانية تحرير و بعث عوامل الإبداع والإنشاء الإنساني و الإشارة هنا فد تطول بعض الشيء فهو موضوع بحد ذاته و لنبدأ من مفهوم عظيم كما نحسبه و قد تعرض لكثير من التشويه فأصبح بغير الصورة التي جاء بها كتاب الله سبحانه و تعالى إذ أن هذا المفهوم إستطاع أن يتجاوز كثير من المعضلات في زمن ما إلى أنه الآن أنزوى بعد أن أراد له البعض ذلك و ما ذلك إلى ظلم عظيم فمن يحاول إفهام الناس أن مفهوم تقوى الله هو أن تنزوي في صومعتك و تسأل الله الفرج و العون في حين أنك خالفت السنن الكونية و المقتضيات العقلية التي تقول لك أعمل و أصنع و قبل كل ذلك قول النبي الكريم اعقلها و توكل. فمفهوم التقوى هو ما سيمكننا من تحرير و بعث الإبداع و الإنشاء الإنساني من خلال مدلولاته التي بينها الله سبحانه و تعالى في كتابه الكريم حينما ذكر قصة النبي شعيب عليه السلام اذ أمرَ شعيبٌ عليه السلام قومه بتقوى الله، ثم أردف ذلك بما يقتضيه تقوى الله فقال: (فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين). و هكذا نجد أننا حين نذكر مفهوم التقوى نقف أمام مفهوم يأمر بالعدل و ينهى عن الظلم و هذا المقتضى هو بالضبط ما يحرر و يبعث على الإبداع فالنفس البشرية بطبيعتها لايمكن أن تبدع و تصنع الإنشاء إلا من خلال عملية تبعثه على ذلك فلا نتصور إنسانا يزدهر في حين أنه يتعرض للظلم فبغياب العدل يغيب الإبداع و تذهب عوامله. لنجد أن الدعوة إلى تقوى الله و التدين بما جاء به نبي الرحمة تنصف المظلوم من الظالم، و تردَّ حقِ الضعيف من القوي لنصبح أمام تنظيم قادر على تحرير و بعث عوامل الإبداع والإنشاء و تجعل من تدين بدين الإسلام يمضي نحو طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها مترجما دينه إلى نهضة حضارية من خلال تأصيل كل مقومات الحضارة تأصيلاً شرعياً، لتغدو التربية والتعليم والإدارة والجودة والأخلاق والمعاملات والرياضة والترفيه والتشريع والقانون وحتى السياسة والاقتصاد "تتكلم من منطلق إسلامي"، فيكون منهج حياة متكامل بدءاً من تعزيز الشخصية الاستقلالية للفرد إلى تقويم سلوك الدولة.
إنشرها

أضف تعليق