تعريف النضوب .. وماذا يعني على أرض الواقع؟
لو عملنا مسحا كاملا للثقافة السائدة في مجتمعاتنا الخليجية، لوجدنا أننا نعرف عن الإبل والرياضة والمطاعم الداخلية والخارجية أكثر مما نعرف عن النفط ومشتقاته ومستقبله، على الرغم من أن كامل دخلنا دون مبالغة مصدره النفط. ونتصور أن الكل، على اختلاف مستوياتهم، متفقون على أن النفط مصدر ناضب. كيف ومتى وبأي كيفية، هذا هو اللغز الذي سوف نتحدث عنه. وأمر مؤسف أن يكون أهم شيء في حياتنا الصحراوية هو أقل اهتماماتنا. أوجدوا شهرا لمزايين الإبل وأشهرا للسياحة والرحلات وأسبوعا للمرور، ولم يوجدوا ولا يوما واحدا للنفط وأهميته في حياتنا، إكراما واحتراما له بعد أن ظهرت عليه علامات الشيخوخة.
النفط هبة من الله، وقد أودعها سبحانه وتعالى أرضنا القاحلة منذ مئات الملايين من السنين. ومن المرجح أن المواد النفطية قد تكونت من النباتات البرية والحيوانات التي كانت تجرفها السيول الغزيرة إلى البحر وتطمر معها الأحياء البحرية تحت طبقات متعاقبة من المواد الرسوبية. ومع تعاظم الضغط والحرارة الجوفية للأرض تحول ذلك المخلوط إلى ما نطلق عليه اليوم النفط واستقر داخل مسام الصخور الميكروسكوبية. وقد تكون عملية التكوين نفسها استغرقت ملايين السنين حتى تجمع هذا الكم الهائل من المواد النفطية. فهي ليست وليدة عصر من العصور. والسعودية تحوي حقلين هما أكبر حقول العالم. فحقل الغوار أكبر حقل على اليابسة وحقل السفانية أكبر حقل مغمور، وهذه نعمة من الله تستحق منا الشكر والاعتدال في استغلال هذه الثروة الناضبة. وعلى كل، فحقول منطقة الخليج هي من أفضل حقول النفط على المستوى العالمي من حيث النوعية وكميات المخزون النفطي وسهولة الإنتاج.
ونعرض فكرة بسيطة عن الإنتاج وكيف يتغير مع مرور الوقت حتى ينتهي بالنضوب. والنضوب هو كلمة السر في هذا المقال. فهناك مراحل متعددة من عمليات الإنتاج قبل النضوب الذي لن يحدث حتى في حياة أصغر الأجيال الحاضرة سِنًّا. ولكن صافي الدخل النفطي هو الذي سوف يحدد مصيره وجدواه الاقتصادية. في معظم الحالات، عندما يبدأ إنتاج الحقل يكون نفطا صافيًا يصعد إلى فوهة البئر بقوة دفع كميات الغاز الذائبة فيه. وبعد عقود تتضاءل كمية الإنتاج مع مرور الوقت بسبب هروب أو إنتاج كميات كبيرة من الغاز مع النفط. وفي أغلب الأحوال يحتوي الحقل على كميات كبيرة من الماء عالي الملوحة محبوسا تحت النفط ويلعب دورا، وإن كان متواضعا، في دفع السوائل النفطية إلى البئر بفعل خاصية التمدد. وعندما يجد الماء فرصة الوصول إلى البئر، وهذا عادة يحدث من عشر إلى 20 عاما من بدء الإنتاج في حقولنا، يحاول مزاحمة النفط للخروج. يبدأ بنسبة قليلة ثم يتدرج إلى أن يكون نسبا مقلقة تصل إلى 50 و60 في المائة من الإنتاج. وهي لا تقف عند هذا الحد بل تستمر كمية الماء في الارتفاع حتى تعطل الإنتاج. وعادة وقبل الوصول إلى هذه المرحلة يتحول الإنتاج من الدفع الذاتي إلى المضخات الغطاسة التي توضع في أسفل البئر. وهذا مما يزيد من تكلفة الإنتاج. ومع ذلك، فكمية إنتاج النفط تتضاءل وكمية الماء ترتفع حتى تصل إلى مرحلة قد لا يكون الإنتاج معها اقتصاديا.
ولعل من نافلة القول ذكر أن بعض الآبار في أحد حقولنا كانت الواحدة منها في مراحلها الأولى تنتج ما بين 50 و60 ألف برميل في اليوم، وهو حدث غير عادي. وأعداد كبيرة من الآبار كانت تنتج بين 20 و30 ألف برميل لسنوات طويلة. وهناك معلومة مهمة لا بد من ذكرها. وهي أننا لا نستطيع بأي حال من الأحوال إنتاج كامل المخزون النفطي الموجود في المكامن، لأسباب جيلوجية وفيزيائية مرتبطة بخاصية الصخور ولا مجال لشرحها هنا، خصوصًا أننا لا نستطيع الوصول إلى صخور المكامن التي تقبع على عمق كيلومترين تحت سطح الأرض إلا بواسطة أجهزة الحفر. وغالبا ما تكون نسبة الاستخلاص بين 30 و50 في المائة. وهذا يعني بقاء أكثر من نصف المخزون في الأرض إلى الأبد. وفي حالات نادرة، والاستعانة بتكنولوجيا مكلفة، من الممكن أن تصل نسبة الاستخلاص إلى ما فوق 60 في المائة. والمعدل العالمي أقل من 40 في المائة. ونحن كثيرا ما نستخدم كلمة النضوب، ولكن ليس بمعناها الحقيقي. وحساب نهاية عمر النفط ليس بقسمة الاحتياطي القابل للإنتاج على كمية الإنتاج السنوي. لأن عملية النضوب أكثر تعقيدا من مجرد عملية حسابية. النضوب يحدث بالتدرج ويستغرق عقودا طويلة. والسؤال ليس متى النضوب، بل الأكثر أهمية هو كم تكلفة إنتاج البرميل مقارنة بسعر البيع. أي أن المسألة اقتصادية بحتة. وما يجعل وضعنا في الخليج غير مريح، هو أن إنتاجنا أصبح أكثر صعوبة وفي حالة انخفاض مزمن وارتفاع في التكلفة، في الوقت الذي يتضاعف فيه عدد السكان على ظهر هذه الصحراء المجدبة. وهناك من لا يلقون بالا إلى الواقع الذي تعيشه حقولنا. وربما أنهم لا يدركون أن أغلبها قد مضى من عمرها ما يقارب 60 عاما من الإنتاج المتواصل. ومن أول يوم بدأ فيه الإنتاج وهي في حالة نضوب طبيعي. ومن الأفضل ألا نعير اهتماما للشكليات التي تظهر كمية الاحتياطي المتبقي، فالعبرة بالمقدرة على الإنتاج وجدواه الاقتصادية.