تركيا و«المنطقة العازلة» .. ورقة ضغط أم حاجة حقيقية؟
اعتبر مدير المعهد الكردي في باريس كندال نيزان أن المنطقة العازلة التي تريد تركيا إقامتها في شمال سورية، والتي أيدتها فرنسا، فيما قلل البيت الأبيض من أهميتها، لها ما يبررها إنسانيا مع هجوم الجهاديين على منطقة كوباني، إلا أن أنقرة، بحسب نيزان، تسعى أساسا من خلالها إلى "منع قيام منطقة حكم ذاتي كردي على حدودها". وترفض أنقرة أي محاولة لتمكين "وحدات الشعب" الكردية عسكريا أو سياسيا، ما يثير كثيرا من الأسئلة حول طبيعة هذه الجماعة التي تخشاها تركيا وحول ضرورة إقامة منطقة عازلة.
###منطقة عازلة
تركيا تطالب منذ 2011 بإقامة منطقة عازلة في شمال سورية، وهذا الاقتراح، وفقا لما صرح به نيزان للوكالة الفرنسية، له في الواقع ثلاثة أهداف: إنساني، لحماية النازحين بسبب الحرب في سورية نفسها وتخفيف العبء عن كاهل تركيا (التي تستقبل بالفعل أكثر من 1,5 مليون لاجئ سوري). استراتيجي، لحماية المعارضة المسلحة ضد نظام بشار الأسد الذي تريد أنقرة إسقاطه ليكون لديها بذلك ورقة حاسمة في مفاوضات مرحلة ما بعد الأسد. لكن الهدف السياسي، بحسب نيزان، هو الأهم بالنسبة لأنقرة وهو ضم المناطق الكردية إلى هذه المنطقة العازلة لمنع أي إمكانية لقيام منطقة حكم ذاتي كردي في سورية.
وحول السيناريوهات المحتملة، إذا ما سقطت كوباني، يقول نيزان، "سيقوم الجهاديون بالهجوم على هدف آخر وهو منطقة عفرين، الجيب الكردي شمال حلب، يطلق عليه "جبل الأكراد". ولن يتحرك أحد لأن الأكراد السوريين يعتبرون من قبيل الخسائر الجانبية" وهو ما يعني أن "وحدات الشعب" الكردية ستكون في مواجهة أخرى مع تنظيم الدولة وبمساندة من طيران التحالف، في أحسن الأحوال. فما هي "وحدات حماية الشعب" وبماذا تختلف عن قوات البيشمركة (أكراد العراق)؟
###وحدات الشعب
يخوض مقاتلو "وحدات حماية الشعب" الأكراد معارك ضارية مع تنظيم "الدولة الإسلامية" الذين يشن منذ أكثر من ثلاثة أسابيع هجوما على مدينة عين العرب السورية (كوباني بالكردية) المحاذية لتركيا، بهدف السيطرة عليها. وتنشط "وحدات حماية الشعب" في المناطق التي تسكنها غالبية من الأكراد في سورية، وتحديدا في شمال وشمال شرق هذا البلد الذي يمزقه نزاع دام منذ أكثر من ثلاثة أعوام. وينظر إليها على أنها الفرع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي النافذ.
ويقول المحلل في مؤسسة جيمستاون الأمريكية فلاديمير فان فيلغينبورغ لوكالة فرانس برس إن "وحدات حماية الشعب" تأسست على الأرجح في عام 2004 بعد التظاهرات الكردية المعارضة للحكومة السورية. إلا أنه لم يتم الإعلان عنها حتى تموز(يوليو) 2012 حين جرى كشف شعارها علنا، بعد أكثر من سنة على بدء النزاع السوري.
وتزامن هذه الإعلان مع انسحاب القوات الحكومية السورية من الجزء الأكبر من المناطق الكردية، وتحول "وحدات حماية الشعب" بحكم الأمر الواقع إلى جيش هذه المناطق في محافظات الحسكة (شمال شرق) والرقة وحلب (شمال). ويسير مقاتلو "وحدات حماية الشعب" دوريات على حدود المناطق الكردية ويشرفون على العديد من حواجز التفتيش، وقد أدوا دورا رئيسيا في القتال ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" الجهادي المتطرف في سورية.
###الدعم والتدريب
يقول خبراء وحكومات إقليمية بينها الحكومة التركية إن حزب الاتحاد الديمقراطي ومجموعة "وحدات حماية الشعب" يرتبطان بحزب العمال الكردستاني الانفصالي الذي يخوض نزاعا داميا منذ عقود مع أنقرة بهدف الحصول على الحكم الذاتي. لكن حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري ينفيان وجود أي ارتباط مباشرة مع حزب العمال الكردستاني الذي يصنف في تركيا ومعظم الدول الغربية على أنه "تنظيم إرهابي". لكنهما يقران بوجود تقارب عقائدي مع حزب العمال الذي يحظى زعيمه المسجون في تركيا عبد الله أوجلان بشعبية كبيرة في المناطق الكردية السورية.
وتقول ماريا فنتاباي، الخبيرة في الشؤون العراقية والكردية في مجموعة الأزمات الدولية، إن "معظم قادة وحدات حماية الشعب، رغم أنهم يحملون الجنسية السورية، تدربوا في مخيمات حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل في شمال العراق". ويذهب فان ويلغينبورغ أبعد من ذلك، مشيرا إلى أن هذه الجماعة الكردية تمثل "الجناح المسلح لحزب العمال الكردستاني في سورية". وتتعامل تركيا أيضا مع "وحدات حماية الشعب" على أنها فرع من فروع حزب العمال الكردستاني، وترى في محاولات الأكراد فرض حكم ذاتي في المناطق الكردية في سورية "خطوات خطيرة".
###العلاقة بالنظام
قاد انسحاب القوات السورية من المناطق الكردية في سورية منتصف عام 2012 إلى اتهام حزب الاتحاد الديمقراطي و"وحدات حماية الشعب" بالتعاون مع نظام الرئيس بشار الأسد. وسيطر نتيجة لذلك التوتر على العلاقات بين المقاتلين الأكراد والمعارضة السورية، خصوصا بعد رفض هؤلاء المسلحين السماح للمعارضين للنظام بمحاربته من المناطق الكردية.
غير أن خبراء يرون أن العلاقة مع النظام لم تصل إلى مستوى التحالف، بل انها تعكس تفاهما استراتيجيا أو مجرد التقاء مصالح أبعد القوات الحكومية عن فتح جبهة جديدة وسمح للأكراد بالتركيز على مسألة تحقيق حكم ذاتي. وخاض المقاتلون الأكراد معارك ضد النظام إلى جانب المعارضين في أماكن محددة. لكن المعارضين ينظرون بشكل عام إلى الأكراد بريبة، ويتهمونهم بوضع رهانهم على السعي لتحقيق حكم ذاتي فوق مسألة العمل على الإطاحة بالنظام.
###القوة والتمويل
ذكرت "مجموعة الأزمات الدولية" (مركز أبحاث) في بداية العام أن "وحدات حماية الشعب" تدفع رواتب شهرية تبلغ نحو 150 دولارا لما بين 25 و30 ألف مقاتل، علما أن خبراء آخرين يقرون بعدم وجود إحصاءات رسمية حول أعداد هؤلاء المقاتلين.
وأوح تقرير "مجموعة الأزمات الدولية" (إنترناشونال كرايزيس غروب) أن المقاتلين يتلقون ثلاثة أشهر من التدريبات في واحد من تسع أكاديميات عسكرية تتوزع على المناطق الكردية الثلاث في سورية. ويقاتل في هذه الجماعة الرجال والنساء. ورغم أن الوحدات تضم بشكل رئيسي عناصر مدربة، إلا أنها استقطبت أيضا عائلات بأكملها يقاتل أفرادها جنبا إلى جنب في مدينة عين العرب.
ويقول فان ويلغينبورغ إن "وزراء الدفاع" في المناطق الكردية السورية الثلاث، كوباني (عين العرب) والجزيرة (الحسكة) وعفرين (في حلب)، يقودون قوات "وحدات حماية الشعب" من مناطقهم. ويشير عناصر "وحدات حماية الشعب" في مدينة عين العرب إلى أنهم يملكون أسلحة خفيفة فقط، ويقاتلون بشراسة في مواجهة الأسلحة الثقيلة التي يستخدمها تنظيم "الدولة الإسلامية" وبعض مصادرها القواعد العسكرية التي اقتحمها في العراق وسورية.
ويعتقد أن جماعة "وحدات حماية الشعب" تمتلك بعض الأسلحة الثقيلة والدبابات التي غنمتها من مجموعات مسلحة أخرى أو من قوات النظام في سورية. أما بالنسبة إلى مصادر التمويل، فيؤكد خبراء أن المجموعة تعتمد على الضرائب التي تجبيها في المناطق الكردية وعلى دعم حزب العمال الكردستاني الذي يحظى بمساندة شبكة من الممولين في أوروبا وتركيا والجالية الكردية في مناطق أخرى في العالم.