المراجعات في مصر من الجماعة الإسلامية إلى جماعة الجهاد
بدأ في الأسابيع الأخيرة نشر أنباء ومعلومات عن قرب انتهاء حركة المراجعات الفكرية والحركية التي تقوم بها مختلف قيادات ومجموعات وأعضاء جماعة الجهاد المصرية الموجود أغلبيتهم الساحقة في السجون المصرية منذ سنوات طويلة يرجع بعضها لعام 1981. ومن المعروف أن تلك الجماعة كانت منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي ثاني أكبر الجماعات الإسلامية الجهادية العنيفة في مصر بعد الجماعة الإسلامية، وأن عديداً من عناصرها قد أسهموا في تأسيس تنظيم القاعدة الذي يحتل أميرها السابق، أيمن الظواهري، موقع الرجل الثاني فيه بعد زعيمه أسامة بن لادن. وقد أوضحت المعلومات المنشورة أن المراجعات التي تقوم بها جماعة الجهاد حالياً يقودها أبرز قياداتها التاريخية ومن بينهم قيادات فكرية وحركية كان لها تأثير هائل مباشر على فكر وحركة عدد كبير من الجماعات الجهادية العنيفة على مستوى العالم وفي مقدمتها تنظيم القاعدة بمختلف فروعه حول العالم. ويظهر في مقدمة تلك القيادات الطبيب سيد إمام الشريف المعروف باسم الدكتور فضل حيناً وباسم عبد القادر بن عبد العزيز حيناً آخر، وهو أول أمير لجماعة الجهاد بعد انفصالها عن الجماعة الإسلامية عام 1984 بعد أن توحدتا معاً لمدة ثلاث سنوات قامتا في بدايتها باغتيال الرئيس المصري السابق أنور السادات في تشرين الأول (أكتوبر) 1981. وظل الدكتور فضل أميراً لجماعة الجهاد أثناء إقامته في عدة بلدان منها أفغانستان حتى نهاية عام 1993، حيث خلفه في المنصب أيمن الظواهري، ومع ذلك فقد عرف الرجل أكثر بمؤلفيه الضخمين، "العمدة في إعداد العدة" و"الجامع في طلب العلم الشريف"، اللذين استند إليهما عديد من الجماعات والتنظيمات الجهادية العنيفة داخل مصر وخارجها في تبرير ما تقوم به من عمليات عنف وإرهاب خلال سنوات طويلة.
من هنا تكتسب تلك المراجعات التي من المرجح أن تنتهي إلى نشر وثائق ودراسات فكرية جديدة أهميتها، حيث ستشمل نقداً جذرياً للأفكار الجهادية المنتشرة عالمياً ونقداً مماثلاً للأساليب الحركية التي تتبعها الجماعات والتنظيمات المعتنقة لتلك الأفكار. والحقيقة أن هذه ليست هي المرة الأولى التي تتم فيها مراجعات مماثلة في مصر، فقد قامت الجماعة الإسلامية التي تحملت مسؤولية أكثر من 95 في المائة من عمليات العنف التي عرفتها البلاد خلال سنوات الثمانينيات والتسعينيات، بالبدء في مراجعاتها منذ تموز (يوليو) 1997. وقد أسفرت تلك المراجعات الكبيرة والجذرية التي قامت بها الجماعة عن نشر سلسلة من الكتب تحمل الأفكار النظرية والرؤى العملية الجديدة لها منذ كانون الثاني (يناير) 2002 وحتى اليوم وبلغ عددها 25 كتاباً وكتيباً.
وتزداد تلك الأهمية بالنظر إلى أن جوهر ما يجري بداخل جماعة الجهاد حالياً وهو نفسه ما جرى قبل ذلك في الجماعة الإسلامية المصرية، وإن اختلف عنه في بعض التفاصيل. فالجوهر في الحالتين هو قيام كل من قيادات وأعضاء الجماعتين بتحويل الموقف المبدئي الذي اتخذتاه منذ عام 1997 بوقف اللجوء إلى العنف إلى موقف فكري يستند إلى أسس شرعية ونظرية تتوج هذا القرار وتحوله من مجرد قرار حركي إلى نهج فكري وعملي تتحول بموجبه الجماعتان من فئة إلى أخرى من فئات الحركات الإسلامية. فالجماعتان كانتا منذ تأسيسهما وحتى قرار وقف العنف تنتميان إلى ما يطلق عليه الجماعات الإسلامية الدينية الجهادية التي كانت تعتقد أن الخلل الحقيقي يقع في عقائد المسلمين نظماً ومجتمعات وأفراداً، وأن تصحيح تلك العقائد هو المهمة الأولى التي لا يمكن إنجازها سوى باللجوء إلى العنف والقتال الذي اصطلحوا على تسميته "جهاداً"، الذي يفتح الطريق حسب تصورهم أمام إعادة أسلمة المجتمع والدولة وتأسيسهما من جديد على قواعد الإسلام الصحيح. وباتخاذ قرار وقف العنف وإتمام المراجعات الفكرية من جانب الجماعة الإسلامية وبدء صدورها من جانب جماعة الجهاد، تنتقل الجماعتان إلى فئة الجماعات الإسلامية السياسية – الاجتماعية السلمية الوسطية التي لا ترى خللاً في عقائد المسلمين أفراداً ودولاً ومجتمعات ولا تبيح ممارسة العنف بأي صورة ضدهم، بينما تضع في مقدمة أولوياتها إعادة تنظيم أوضاعهم الدنيوية وفقاً لما ترى أنه قواعد الشريعة الإسلامية التي لا يمكن تطبيقها سوى بالوسائل السلمية.
هذا الجوهر للتحول الكبير للجماعة الإسلامية أولاً ثم لجماعة الجهاد حالياً يعد الأبرز والأكبر من نوعه الذي جرى في العالم كله خلال العصر الحديث. فالجماعتان من حيث الحجم تعتبران من الجماعات الكبيرة حيث تضمان آلافاً عديدة من الأعضاء، وهما من حيث الممارسة العنيفة كانتا الأكثر لجوءاً إليها خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي وهما المسؤولتان عن كل عمليات العنف والإرهاب التي عرفتها مصر خلال تلك الفترة. وبالرغم من أن بلداناً أخرى قد عرفت بعض تلك التحولات الجذرية لجماعات العنف الإسلامية فيها مثل الجزائر، إلا أنها لم تصل إلى مستوى التحول الشامل لجماعات كبيرة ولم ينتج عنها مراجعات فكرية عميقة وأصيلة كتلك التي أصدرتها الجماعة الإسلامية من قبل وتعكف قيادة جماعة الجهاد على إنهائها حالياً.