الرفض والقبول في بدن المرأة
الرفض والقبول في بدن المرأة
إن تشكل القالب الإنساني جاء من اجتماع خليتين ضعيفتين هما الحيوان المنوي والبويضة. "وخلق الإنسان ضعيفا".
جاء الحيوان المنوي من دفقة (مني) كانت تحوي (500) مليون حيوان منوي، ومن هذا الشعب المنوي، بدأ الزحف والسباق الجبار!! إلى أين؟ إلى الالتحام بالبويضة، التي تنطلق من مصنع خاص، هو المبيض الذي يحوي (300) ألف بويضة، وآخر ما قيل في لحظة التحام النطفة بالبويضة، أن هجوم النطف على البويضة يكون أشبه بمهاجمة قلعة، ويسقط العديد من النطف صرعى، لتذويب وإضعاف الغلاف الخارجي، ويكون نصيب النطفة الأخيرة الدخول، بعد أن مهد الطريق لها بالتضحيات من النطف الأولى!!..
يتمتع الجسم بخاصية مهمة، هي رفض الجسم الأجنبي أيا كان، وهو محق في هذه الظاهرة، إذ لو استضاف الجسم الكائنات الغريبة؛ لأصبح إذاً مزرعة جرثومية، ولذا فإنه لا يتقبل أي شيء من المحيط الخارجي، إلا بعد أن يحوله إلى مستقبلات وعناصر تشبه بناء الجسم، وترفده بالغذاء والقوة، حتى الطعام الذي يتناوله الإنسان، لو حقن داخل الوريد، لكان معناه قتل الإنسان فورا!
ولذا فإن دخول الطعام عبر الجهاز الهضمي، يعني الآلاف من عمليات التحويل، حتى يصل إلى الشكل الذي يرضى عنه الجسم، وعند ذلك يسمح له بالدخول، وأحيانا لا يرضى الجسم أن يدخل المعدن نفسه، إلا بشكل خاص، مثل الحديد لا يدخل إلا بشكل حديدي ++fe أي من نوع ضعيف القوة، ولا يدخله بشكل حديد +++fe (ثلاثي القوة)، ويتدخل حمض المعدة والفيتامين c (سي) في هذا القلب، من حال إلى حال، حتى يمتص بعدها من الأمعاء إلى الدوران العام. ومعنى دخول الجرثوم إلى الجسم، تلويث الوسط الداخلي المعقم كلية، ويعني في الوقت نفسه دق أجراس الإنذار، وإعلان النفير العام لمهاجمة الغازي، ويسرع الجنود، في صورة الكريات البيض، للقاء العدو المغير.
ويبدأ اشتباك مسلح، أسلحته الخمائر والأرجل الكاذبة، والهضم والابتلاع وصورته الكريات البيض المنسلة، من جدار العروق الشعرية الدموية الصغيرة، التي تنزل كفرق فدائية مدربة، لتنازل الجراثيم بالسلاح الأبيض، وأجراس الإنذار فيه ارتفاع الحرارة، والتوعك والآلام أحيانا.
هذه الخاصية هي التي دفعت العلماء لخفض مقاومة الجسم، وترويضه لتقبل الجسم الغريب، كما هو الحال في عمليات زرع الأعضاء، مثل القلب والكلية والرئة، وهذه الخاصية هي التي تجعل السرطان لا ينتقل بالعدوى، حتى ولو زرعت الخلايا السرطانية في الجسم زرعاً؛ لأن الجسم يرفضها!
فهلا انطبقت هذه القاعدة على الحيوان المنوي لأنه جسم غريب؟
بل وتوالي الحيوان المنوي، وما ينتج من اللقاح الغريب، أي تشكل المشيمة، تلك الغدة الجديدة المدهشة، التي تنغرس في الرحم، وتمثل بالنسبة للجنين كل أجهزته مجتمعة، فهي الرئة للتنفس، والقلب لضخ الدم، والعروق لإيصال الدم والغذاء، والكلية لتصفية المواد الضارة، والغدد لإفرازات الهرمونات، وهي الجهاز الهضمي لنقل الأغذية المناسبة، وهي الحاجز المنيع أمام دخول ما يضره.
في الواقع يحدث عكس هذا بالضبط حيث تتحول السلبيات إلى إيجابيات، وهذا من أعجب الأمور التي تحتاج إلى تفسير!!
إن زواج أي ذكر بالغ صحيح الجسم، من أي فتاة مثله، بشرط الإنجاب والصحة من الطرفين، يحدث اللقاح والحمل، بل إن هذا القانون يسري حتى لو كانت العلاقة سفاحاً!! وهو ما رأيناه من عمليات اغتصاب المجرمين الصرب في حرب البوسنة، فالأطفال اليوم لا يعرفون آباءهم المجرمين، بل أمهاتهم اللائي تعبن حملا وولادة وعناية وسهرا على صحة الطفل السفاح!
ونسأل لماذا لم يرفض الجسم ـ وهو هنا جسم الأنثى ـ الجسم الغريب الممثل في صورة هذه الخلية الجرثومية، أي النطفة أو الحيوان المنوي، الذي يبلغ في الطول (55) ميكروناً؟!... إذا علمنا أن الميكرون هو جزء من مليون من السنتيمتر..
يجيب الطب فيقول إن العكس هو الذي يحدث!! وكيف ذلك؟
لنستمع إلى القصة بتمامها لأنها قصة شيقة، وهي قصة التخلق الإنساني، وكيف تبدع يد القدرة الإلهية في هذا اللقاء التاريخي الحاسم؟!
إن جسم الأنثى يستعد كلياً وتتبدل أخلاطه، ويتغير مزاجه بحيث يوافق استقبال هذا الجسم الغريب، وإيصاله بأمان إلى البويضة، حتى يتم اللقاح، وليس طرده أو رفضه، كما يفعل عادة مع الجسم الغريب. بل إن الرحم ليبكي دماً لا دمعاً على عدم اللقاء بالمحبوب في صورة الدم الطمثي الذي هو تعبير عن عدم حدوث اللقاح!!.. فهل أعجب من هذا التناقض أم أن التناقض في رؤوسنا، والطبيعة تعمل وفق قوانينها التي رسمها العلي الكبير؟ (ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار)..