السهم التربوي من أجل شراكة مجتمعية
بعيداً عن التذبذبات والأداء المتواضع الذي يشهده حالياً سوق الأسهم السعودية، واستنادا إلى خلو هذا السوق من أي شركة تعنى بتنمية رأس المال البشري على وجه العموم، والاستثمار في القطاع التعليمي على وجه الخصوص بوصف هذا القطاع المصدر الرئيس لبناء المواطن المنتج الصالح الذي يمثل أغلى الثروات الوطنية. تبدو مناقشة السهم التربوي من أجل شراكة مجتمعية حقيقية أكثر جاذبية ومنطقية. وقبل الدخول في تفاصيل "السهم التربوي" لابد من التذكر أن التعليم مسؤولية مجتمعية مشتركة لا تتطلب الشراكة الحقيقية بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص فحسب، بل تستدعي المساهمة الفاعلة من قبل شرائح المجتمع وأفراده كافة، بل إن مستقبل تطوير التعليم وتجويده مرهون بتفعيل الشراكة المجتمعية بشقيها المادي والمعنوي. كما أن التشبث بالمفهوم السائد أن توفير الخدمة التعليمية يقع على عاتق الدولة لوحدها لن يكون مجدياً, مع التأكيد على ضرورة استمرار الدور المحوري للقطاع الحكومي تجاه التعليم.
إن السهم التربوي من وجهة نظري يمكن تصنيفه إلى نوعين أحدهما يمكن تسميته السهم الاستثماري التعليمي, والآخر يمكن وصفه بالسهم الوقفي التعليمي. أما السهم الاستثماري التعليمي فيمكن تحقيقه من خلال إنشاء شركة أو شركات وطنية تعنى بالاستثمار في شتى المشاريع والبرامج التعليمية ذات العائد والمردود الاقتصادي, ويتم طرح أسهمها للاكتتاب العام. أما السهم الوقفي التعليمي فيمكن تحقيقه من خلال هيئة أو هيئات خيرية غير ربحية للوقف التعليمي تتكفل بالإسهام في تمويل جميع المشاريع والبرامج التعليمية وفقاً لرغبات الواقفين، مع التركيز على تلك المشاريع والبرامج التعليمية التي تفوق كلفتها عوائدها الاقتصادية مثل بعض برامج ذوي الاحتياجات الخاصة من المعوقين.
إن السهم التربوي بنوعيه الاستثماري والوقفي يمثل صيغة إجرائية يتم من خلالها تفعيل الشراكة المجتمعية في القطاع التعليمي، لا ينبغي للجهات المعنية بقطاع التعليم أن تتجاهلها أو تعمل على تأجيلها ولاسيما أن هناك العديد من الممارسات المماثلة تتم في قطاعات أخرى وتحظى بقبول وتأييد مجتمعي.
ولعل من نافلة القول في هذا المقام، الإشارة إلى دراسة عن السعودة والاستقرار الوظيفي في المدارس الأهلية, تشرفت برئاسة فريقها، أبرزت نتائجها بأن أحد العوامل الرئيسة لتحقيق السعودة والاستقرار الوظيفي في المؤسسات التعليمية يكمن في التحول التدريجي من الملكية الفردية لتلك المؤسسات التي لا تحظى في أغلب الأحيان بوضع اقتصادي مريح، إلى ملكية جماعية تتوافر لديها الإمكانات المادية والبشرية القادرة على القيام بمهامها ووظائفها على الوجه الأكمل. ومن هذا المنطلق فإن السهم التربوي من خلال قيام الشركات الاستثمارية والهيئات الوقفية سيعمل على تشييد نظام تعليم أهلي خاص يمثل رافداً حقيقياً لمسيرتنا التعليمية المباركة.
وخلاصة القول إن السهم التربوي إذا ما أحسن تسويقه أو عرضه لشرائح المجتمع الراغبين في الاستثمار الدنيوي والأخروي وفقاً لضوابط الشريعة الإسلامية، فإنه من المتوقع أن يحظى بإقبال جماهيري منقطع النظير، ولا سيما إذا ما وضعت القيمة السهمية في متناول الجميع، الأمر الذي يعظم الشراكة المجتمعية ويعود بالنفع والفائدة على القطاع التعليمي.