المسلمون عرفوا أستراليا قبل البريطانيين بسنوات طويلة
يجهل الكثير من الأستراليين أن سكان البلاد الأصليين كانوا على اتصال مستمر بمسلمين أجانب قبل وصول المستعمرين المسيحيين إلى بلادهم.
ولايزال الإسلام إلى اليوم يجتذب بعضهم، وعلى متن القوارب الصغيرة البيضاء والصفراء الراسية على صخور جزيرة أرهام، شمالي أستراليا وصل الإسلام إلى البلاد، وتلك القوارب إندونيسية تقليدية معروفة باسم براوس، كانت تحمل الصيادين المسلمين من مدينة ماكاسار المزدهرة بحثا عن سمك خيار البحر حسب ما جاء في موقع (بي بي سي) عربي.
ولا يعرف بالتحديد متى جاء الصيادون لأول مرة من ماكاسار، ويعتقد بعض المؤرخين أنهم وصلوا أستراليا عام 1750، ولكن التاريخ باستخدام الكربون المشع لشمع النحل في رسومات الكهوف يشير إلى فترة تاريخية أسبق بكثير، ويبدو أن بعض الرسومات أنجزت قبل 1664، وربما تعود إلى أعوام 1500.
ويرجح أنهم كانوا يقومون برحلة كل عام لجمع خيار البحر، المرتفع الثمن، نظرا لأهميته في طرق العلاج والأطعمة الصينية.
ويرى جون برادلي العالم المتخصص في التاريخ من جامعة ملبورن، أن التواصل مع سكان ماكاسار هي أول محاولة من الأستراليين الأصليين لإقامة علاقات مع الخارج، ويضيف أن المحاولة كانت ناجحة، لأنهم عقدوا صفقات ومعاملات تجارية، على أساس المساواة دون مشاكل عرقية.
وقد استقر بعض الصيادين من أهل ماكاسار في أستراليا وتزوجوا من أستراليات، وتركوا إرثا دينيا وثقافيا عمّر طويلا في أستراليا، وفضلا عن رسومات الكهوف وغيرها من فنون السكان الأصليين، تأثرت المعتقدات الدينية للسكان الأصليين بالمعتقدات الإسلامية.
ويقول برادلي: "إذا ذهبت إلى جنوب شرقي أرهام ستجد هناك أثرا للإسلام في الأغاني وفي الرسومات وفي طقوس الجنائز أيضا"، ويضيف: " من الواضح تماما أنها طقوس مستعارة، إلى جانب بعض الكلمات والتعابير اللغوية، إذ تسمع منهم تمجيدا لله، أو بعض الصلوات يؤدونها لله".
ويتوجه الناس في صلاتهم غربا، أي باتجاه القبلة، كما أنهم يسجدون أيضا تماما مثلما يفعل المسلمون في صلاتهم.
ولم يكن هذا التواصل الوحيد بين المسلمين وسكان أستراليا الأصليين. ففي نهاية القرن 19 والقرن 20 جلب صيد المرجان الملايو من جنوب شرقي آسيا للعمل بعقود في بروم في الساحل الشمالي الغربي لأستراليا.
وتزوج الملايو، على غرار أهل ماكاسار، من أستراليات وجلبوا إلى أستراليا معتقداتهم الإسلامية وثقافتهم، وتحل اليوم العديد من العائلات شمالي أستراليا أسماء ورثتها من هذه الزيجات المختلطة، مثل دولا، وحسن، وخان.
بينما شهدت الصحراء القاحلة وسط أستراليا تدفقا منفصلا للمسلمين، ففي بلدة آليس سبرينغ الهادئة ذات 26 ألف ساكن في قلب أستراليا تنتصب بناية لا يتوقعها الناس. إنها مسجد ترتفع منارته وسط الصخور ماكدونال الحمراء.
ويطلق على المسجد اسم "المسجد الأفغاني". وللاسم حكاية. فبين 1860 و1930 جاءت قافلة من الجمال معها أربعة آلاف شخص إلى أستراليا. كان العديد منهم من أفغانستان، وبعضهم من الهند وباكستان الحالية.
أدى هؤلاء دورا أساسيا في فتح الصحراء، وتوفير المؤونة إلى مختلف الفرق العاملة هناك، وساعدوا في إنجاز البنى التحتية الأساسية مثل خط التلغراف أوفرلاند، وخط السكة الحديد غان، الذي لا يزال يعمل حتى الآن.
ويربط خط السكة الحديد "غان" شمالي أستراليا بجنوبها، وقد اشتق اسمه من "أفغان"، ويشار إلى الجمل في شعار القطار.
وتركت هذه الصلات التاريخية أثرا إلى اليوم فهناك عدد متزايد من السكان الأصليين الذين يعتنقون الإسلام.
وحسب إحصاء السكان في أستراليا عام 2011، هناك 1140 شخصا من السكان الأصليين يعرفون أنفسهم بأنهم مسلمون، وهي نسبة أقل من 1 في المئة من عدد السكان الأصليين الإجمالي في أستراليا، ويعتنق السكان الأصليون أيضا المسيحية، ولكن عدد المسلمين بينهم تضاعف مقارنة بما كان عليه عام 2001، حسب الإحصاء.
ويعد أنتوني موندين، بطل الملاكمة العالمي، أبرز سكان أستراليا الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام. وقد تأثر بحركة قوة السود، وخاصة مناضل الحقوق المدنية مالكوم أكس، الذي كان زعيما منظمة أمة الإسلام.
يقول جاستين آغال، وهو من السكان الأصليين واعتنق الإسلام منذ 15 عاما: "سيرة مالكوم أكس رائعة، كان مهتما بالعدالة الاجتماعية والدفاع عن قضية شعبه، ولكنه كان مهتما أيضا بالبحث عن الجانب الروحي في بحثه عن الحقيقة".
وتقول بيتا ستيفنسن، خبيرة علم الاجتماع في جامعة فيكتوريا إن التطابق في المعاني بين معتقدات السكان الأصليين والإسلام ليس غريبا. فهم يشتركون في ممارسات مثل ختان الذكور وتعدد الزوجات وعدد من السلوكات الثقافية مثل احترام الأرض وتوقير كبار السن.