تنفيذ «أرامكو» للمشاريع .. والدروس المستفادة

حققت شركة أرامكو السعودية نجاحات متلاحقة ومتتابعة، شهد لها القاصي والداني في مجال في تشييد وتنفيذ المشاريع الإنشائية العملاقة، سواء تلك التي لها علاقة بالبنى التحتية أو بالبنى الفوقية، بما في ذلك المباني والتجهيزات الأخرى ذات العلاقة، التي كان آخرها تشييد مدينة الملك عبد الله الرياضية في محافظة جدة في عام واحد، والتي سبق بناؤها، بناء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، التي تعد أكبر جامعة من حيث المساحة على مستوى العالم، بمساحة تقدر بنحو 36 مليون متر مربع.
لعل ما يميز شركة أرامكو السعودية في تنفيذها للمشاريع الإنشائية العملاقة عن غيرها من بقية الشركات التي تقوم بتنفيذ مشاريع مماثلة في السعودية، عدة اعتبارات، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، أنها تلتزم بتطبيق معايير صارمة تتعلق بالجودة والنوعية، إضافة إلى اتباع أفضل الممارسات Best Practice، المرتبطة بتشييد وبناء المشاريع، وهذا يشمل الالتزام بتطبيق أفضل المواصفات في بناء المشاريع المتوافرة على مستوى العالم. ولعل ما يميز مشاريع "أرامكو" عن غيرها، قدرتها الفائقة على إدارة المشاريع، بما يكفل تنفيذ المشاريع بأسلوب احترافي، بعيداً عن التخبط والارتجال في التنفيذ والتغيير والتعديل المتكرر في المواصفات والمقاييس، ولا سيما أن تنفيذ المشاريع عادة يسبقه ويلزم له التخطيط السليم لمراحل تنفيذ المشروع المختلفة. كما أن اعتماد شركة أرامكو السعودية، على تسخير الخبرات الفنية والهندسية والتخطيطية الوطنية لتنفيذ المشاريع، يسهم بشكل فاعل وكبير في تنفيذ المشاريع بالجودة والنوعية المطلوبتين وفي أوقاتها المحددة.
عدد من المتابعين والمراقبين لإنجازات شركة أرامكو السعودية في مجال تشييد وتنفيذ المشاريع، لم يستغربوا مثل هذا الإنجازات، باعتبار أن هذا هو ديدن الشركة في تنفيذ مشاريعها، وهو نابع من إحساسها العميق بالمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقها، خاصة أن المشاريع التي أسندت إليها، تصب في نهاية الأمر في صالح الوطن والمواطن على حد سواء، كما أنه جاء إسنادها للشركة بتلبية وتوجيه من خادم الحرمين الشريفين ــ حفظه الله ــ الذي يضع المواطن ومصالحه في المقام الأول وفوق كل الاعتبارات، من خلال حرصه ــ يحفظه الله ــ بتوفير أفضل الخدمات والتجهيزات الممكنة والمتاحة على مستوى العالم، لينعم المواطن برغد العيش الكريم في بلادنا العظيمة.
إن إنجازات شركة أرامكو السعودية في مجال البناء وتشييد الصروح الوطنية العملاقة التي تخدم مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أضحت شواهد في مملكتنا الحبيبة، تاركة وراءها بصمات من الجودة والنوعية المذهلة، وليس ذلك فحسب، بل إنها تميزت بتفوقها وتميزها بوجود برامج صيانة مساندة متميزة على مدى حياة المشروع الافتراضية، بحيث يكفل ذلك استمرارية عمل تلك المشاريع بالكفاءة المطلوبة، ويجنب في الوقت نفسه الهدر المالي من جراء تقادم المبنى وتجهيزاته.
إن التخطيط والتنفيذ لمشاريع "أرامكو السعودية"، يعد أمراً جديراً بالاهتمام وتسليط الضوء عليه، بغية الخروج بدروس مستفادة يمكن تعميمها على المشاريع والصروح التنموية، التي تنفذ في بلادنا، بوضع منهجية أو ما يشبه كود البناء أو ميثاق البناء، يوضح الخطوات والإجراءات، التي تتبعها الشركة في تنفيذ مشاريعها، بما في ذلك أسلوب إدارة وصيانة تلك المشاريع.
إن تبني مثل هذا الاقتراح سيعمل على تعميم تجربة شركة أرامكو السعودية في مجال تشييد وبناء المشاريع على مستوى المملكة، مما سيسهم بفاعلية قصوى في التقليل من حالات الفشل الذريع التي تتعرض إليها مشاريعنا التنموية خلال مراحل تنفيذها المختلفة.
كما أن الأمر يتطلب إعادة النظر بكل تأكيد في هيكلية قطاع التشييد والبناء في بلادنا، بما في ذلك نظاما المشتريات وترسية المشاريع الحكوميان، بحيث يكفل ذلك تطوير مهنة التشييد والبناء في المملكة، ويجنب البلاد تفشي ظاهرة "تعثر المشاريع الحكومية"، التي تخطت أعدادها وقيمها وأحجامها المعدلات المقبولة عالمياً، والتي قدرتها إحدى المعلومات بقيمة تبلغ نحو تريليون ريال خلال الأعوام الثلاثة إلى الأربعة الماضية.
إن إعادة هيكلية قطاع التشييد والبناء في بلادنا سيكون له أثره الفاعل في تجنيب هدر الأموال بلا مبرر، كما أن ذلك سيجنب المواطن المعاناة التي تصاحب رداءة تنفيذ المشاريع الحكومية، وبالذات لو تم إحكام الرقابة على تنفيذ المشاريع بما في ذلك إيجاد آلية محترفة للتخطيط والإدارة ومتابعة التنفيذ. ولعلي استشهد في هذا السياق، بمشاريع أخرى مماثلة مبهرة تم تنفيذها في بلادنا، التي من بين أهمها وأبرزها، مشاريع توسعة الحرمين في كل من مكة والمدينة، بما في ذلك مشاريع المشاعر المقدسة، والبنى التحتية الهائلة بالقرب من مكة. ومشروع جامعة الأميرة نورة في الرياض الذي أشرفت عليه وزارة المالية، وتم تنفيذه هو الآخر في مدة زمنية قصيرة جداً في عمر الزمن قياساً بالمساحة الشاسعة التي يشغلها المشروع.
ولعلي أتفق تماماً مع اقتراح الدكتور إحسان بوحليقة، الذي ورد في مقال نشر له بصحيفة "اليوم" بالعدد 14935 بعنوان "قَلمُ المَلك"، بأن الحاجة أصبحت ملحة لتقنين دور "أرامكو" في إشرافها على تنفيذ المشاريع الحكومية، بأن تؤسس شركة أرامكو السعودية شركةً لإدارة المشاريع، تقدم من خلالها خبرتها الواسعة في إدارة المشاريع، ولعل بوسع سابك أن تفعل الشيء ذاته، أو لعلهما تتعاضدان لتؤسسا "الشركة السعودية لإدارة المشاريع"، وتسند لهذه الشركة مهمة الإشراف على مشاريع الحكومة، ويصبح "دهنا في هريسنا".
بهذا الاقتراح سنتمكن بإذن الله تعالى من تنفيذ المشاريع الحكومية بالجودة والنوعية المطلوبتين، وتفادي مشكلة تعثر المشاريع، والتخفيف من العبء الإداري والهندسي والفني الملقى على عاتق شركة أرامكو السعودية، من جراء تخطيطها وبنائها وإشرافها على تنفيذ الصروح الوطنية، للتفرغ لأعمالها الرئيسة المنوطة بها، بحيث تعم الفائدة على الجميع (الوطن والمواطن وقطاع التشييد والبناء) على حد سواء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي