خصائص الاقتصاد السعودي مهمة لم تنجز
خصائص الاقتصاد السعودي مهمة لم تنجز
قطعت السعودية في مسيرتها للتنمية قرابة أربعة عقود، نفذت خلالها سبع خطط خمسية ومضت قرابة نصف المدة من الخطة الثامنة.
هذا المسار الاقتصادي تراكم فيه العديد من البرامج والمشاريع شكلت بمجملها ملامح وخصائص للاقتصاد السعودي بشقيه الحكومي والخاص، فإذا أضفنا الإرهاصات النهضوية الاقتصادية والاجتماعية لمراحل ما قبل التخطيط يصبح بين أيدينا حصاد تجربة ثرية عمرها ثلثا قرن كانت فيها البلاد تعبر من إنجاز إلى إنجاز آخر، ومن إطار للعمل الاقتصادي إلى إطار آخر، متوسعة في الإنفاق ومعددة المجالات ومنوعة إياها سواء ما كان له صفته الإنتاجية أو ما كان له صفته الخدمية ففي الجوهر ثمة اقتصاد ينمو ويعزز أنشطة وأعمالا لها هي الأخرى عوائدها الاقتصادية في تلازم وتتابع، كل دورة اقتصادية تسلم نفسها لدورة جديدة أكثر ديناميكية وأوسع مدى.
في غمار هذه الحركة كان المواطن السعودي يضيف بجهده امتيازات نوعية في إدارة هذا الاقتصاد بحكم تسلحه بعلوم ومعارف جديدة اكتسبها من خلال الدراسة في أرقى جامعات العالم والاطلاع على تجاربها في الإدارة والاقتصاد.
ذلكم كله منح للاقتصاد السعودي خصائص ومواصفات شكلت هويته التي تبدو محسوسة مألوفة لكنها عصية على التحديد والتعريف والتشخيص.
ورغم أن أقسام الاقتصاد في جامعاتنا كانت حاضرة في عصب التنمية سواء كانت خبرات ومهارات عاملة مخططة أو بحوثا ودراسات مساندة، فقد ظل اقتصادنا السعودي دون تحديد للخصائص والملامح والسمات التي تميزه وتشكل قوامه وشخصيته.
إن تأريخا لسيرة الاقتصاد السعودي الذاتية لا يعني إضافة كتاب مدرسي يسرد أفقيا أو رأسيا مشاريعها الاقتصادية ومعارج النمو، بل المطلوب بحث وتنقيب عن الدعائم الرئيسية والمؤثرة والمتميزة عن غيرها فيه, وإبراز نقاط قوته وضعفه والإمكانات التي ينطوي عليها هذا الاقتصاد للحاضر القريب والمستقبل بعيد المدى.. وأكثر من هذا تحديد عناصر المنافسة القادرة على الصمود في أوجه التقلبات والمستجدات الاقتصادية في العالم.
إن تشخيصا لاقتصادنا يتطلب سبرا لأغوار مكوناته الطبيعية وغير الطبيعية على المستوى الكلي وعلى مستوى امتيازات المناطق السعودية وكيفية تفعيل هذه الامتيازات لتصبح موارد مستدامة تجعل من حديث تقليل الاعتماد على عوائد النفط تطبيقا فعليا بحيث تتزايد نسبة مشاركة القطاعات غير النفطية في النمو الاقتصادي إلى الحد الذي يحيل مقولة تنويع القاعدة الاقتصادية إلى واقع ساري المفعول وليس هدفا ينتقل من خطة إلى أخرى.
معرفة كينونة اقتصادنا وتحديد ملامحه وخصائصه تمدنا بآليات يفرزها واقع التشخيص ذاته لكي نتمكن من خلالها تعميق التحولات الاقتصادية لتنميتنا على النحو الذي نتطلع إليه، وفي الوقت نفسه يقدم هذا التشخيص مشهدنا الاقتصادي بوضوح لكل من شاء أن يدخل معنا في شراكات استثمارية، إذ إن من أبرز عوائق الإقدام على الاستثمار في بلادنا (على النحو الذي نأمله) ضبابية المشهد الاقتصادي، أي عدم تمكن المستثمر من قراءة الواقع كما هو ومعرفة الصورة كما هي، فثمة غياب للمعلومات والبيانات التي عادة ما تكون هي المدخل الأساسي لتكوين فكرة واضحة وتصور دقيق للبيئة التي ينشدها الاستثمار.
وضع دراسة أو بحث يتكفل بتحديد خصائص الاقتصاد السعودي قد يكون مهمة مطلوب من الهيئة العامة للاستثمار النهوض بها طالما أن الجامعات السعودية على مدى السنوات الماضية لم تفعل ذلك، أو هي فعلت مقاربات بسيطة وجزئية له.. ونظنه دورا حان أوان النهوض به، ليس من باب الترف الفكري وإنما من باب صناعة اقتصاد حديث قادر على التقدم بثقة في رياح المنافسة العاتية عالميا!!