أحب بلاد الله الى الله

أحب بلاد الله الى الله

أحب بلاد الله الى الله

مند عام مضى كنت بمصر شاب مليئ بالطموح والآمال حاصلا على ماجستير اللغويات بتقدير امتياز واردت ان اتابع دراستي للدكتوراة ببريطانيا وبالفعل حصلت على عرض غير مشروط من كلية اللغويات واللغة الانجليزيه بجامعة بانجور، وفي غمار فرحتي انتبهت ولكن من أين لي بكل تلك المصاريف الدراسيه والمعيشية ببريطانيا واخبرني ابي بانه مستعد لان يبيع لي جزءا من ممتلكاتنا وهو الارض ولكن لاني اعلم كم ان هذه الارض غالية على ابي وانها ميراث الاجداد وان الارض بمصر كالعرض لا يجوز التفريط فيها باي ثمن.

أبيت أن يفعل هدا لاجلي رغم ان الحزن كان يقتلني واتساءل وماذا عن الدكتوراة؟ انني لن أبق بمصر .. انني لم استفد شيئا من الماجستير ولولا عناية الله وتوفيقه وفضله وتواصلي مع كثير من الاساتذة الاجانب لبقيت كالكثيرين هائما وما حصلت على شيء .. انني حين سجلت بالماجستير وحاولت ان استفيد من مشرفي، لم استفد شيئا ووجدته يفتي دون أن يقرأ ولذلك اثرت ان اعمل وحدي لمدة عام دون أن أراه وذهبت فقط حين انهيتها.

كانت كل تلك الافكار والتساؤلات برأسي ولكن ما العمل؟ انني لا استطيع أن ابقى بمصر وسط كل هذا الاحباط وانكسار الامال والتحطيم.

كان أخي يخبرني بأن عليا أن أسافر لاعمل باحدى الدول العربيه للعمل وتجميع الاموال ومن ثم أذهب الى حيث أريد لاكمل دراستي وكان هذا ايضا رأي جميع اهلي, ولكني كنت اخشى ان تسرقني الأيام ويموت حلمي ببلد عربي وكنت رافضا الفكرة وخصوصا السفر الى السعودية.

فالحق اني كنت ابغضها الى حد كبير جدا لما كنت اسمعه من المصريين العائدين منها بان الشعب السعودي شعب متغطرس وعنصري وبانه شعب لا يعي ولا يفقه شيئا وفقط شعب رزقه الله بالبترول والثروات المادية ولكنه فقير فكريا ومجتمعيا وان شئت اني بدأت أن اؤمن بما يقولون وبفكرة "التخلف". وكنت استشيط غضبا عندما يذكرون اسم المملكه بالبيت واقسم الا ازورها ولو حاجا او معتمرا. كان ابي يوبخني جدا ويخبرني ان هذه بلد النبي صلى الله عليه وسلم وكان اخي ينعتني بانني "علماني" و "عدو للدين". كان ردي جافا واصر على طريقة تفكيري.

وبيوم اقترب موعد دفعي للرسم التأميني للجامعة البريطانيه ولكن من اين لي بكل هذا المال. اعتصرت الماء وفجأة تلقيت مكالمة هاتفيه من احد زملاء القدام بالجامعة واخبرني بأن جامعة سعودية تريد محاضرا حاصلا على الماجستير في اللغويات وانه اخبرهم عني وأن عليا أن استعد للمقابله يوم السبت القادم. أخبرته بأني موافق والحق كان بداخلي تردد كبير جدا وأخبرت اهلي الدين فرحوا وقالوا "شفت ربنا بيحبك ازاي وبيفتح لك باب الامل دي فرصة كتير اوي هنا مش طايلين وبيحلموا بيها وجايله لك ببلاش الحمد لله".

أجبت "فرصة ايه دي ولا عايزه انا عارف عمري حيضيع العوض على الله حعمل ايه بقى". ولأنني كنت محجم جدا عن السفر للسعودية على الأخص, لم اذهب الى المقابله يوم السبت, ووجدت صديقي غاضبا يخبرني بأنه علم أنني لم أذهب وبأن زوج أحد الاساتدة بتلك الجامعة السعودية (والدي يدرس الماجستير مع زميلي باحدى الجامعات المصرية) أخبره بانه مستاء لعدم ذهابي. أجبت والتردد يقتلني بأنني ساذهب غدا الاحد.

وجاء يوم الاحد ولم اذهب ووجدت مكالمة من شخص سعودي يسألني لم لم اذهب للمقابله وكم احتاج من الوقت لاعداد كل الاوراق المطلوبة. أجبت بانني احتاج اسبوع ففجأة قال ان اخر موعد للمقابلات غدا.

وكان لابد ان اذهب واخبرت نفسي بانه ان اوان السفر والتعب والارهاق والانغماس في الروتين بعيدا عن الحلم العلمي. كان المكان الملحقية الدبلوماسيه السعودية بالقاهرة. وصلت ووجدت بان هناك كثير ينتظرون المقابله وانني لست وحدي وحدثت نفسي بانهم قد يرفضونني فليس لدي خبرة في التدريس وبانني للتو حصلت على درجتي العلمية. وكان من بين من ستجرى معهم المقابله فتاة وقلت بانهم سيفضلون الفتاة لانها يبدوا متزوجة وانا اعزب.

دخلت المقابله واجتزتها واخبروني ادا كان بوسعي أن اوقع العقد الابتدائي الان فطلبت بأن يعطونني فرصه للتفكير فوافقوا بأن يمهلوني يومين. دخل بعدي الفتاة للمقابلة وانصرفت وقبل أن اعود الى محطة القطار أخبروني بأنهم يريدونني أن اوقع العقد وأن خير البر عاجله.

قلت بأن الحل لاضمن عدم ترددي هو ان اذهب واوقع هذا العقد. وبالفعل وقعته ومر شهرين ولا جدد فمزقت العقد. وبعد مرور شهر اخر وجدتهم يخبروني بأن اقوم بالتحاليل المطلوبه للسفر والاجراءات وباختصار سافرت وكنت على مضض وأريد أن اعود من المطار في جدة الى مصر.

فور أن وصلت أخبرني المصريين هناك بان لا اخالط السعوديين وبأنني اعزب وقد يسببون لي مشاكل بدون سبب وأنهم يكرهون الاغراب. حاولت أن التزام النصيحة ولكن اكتشف بأن طالباتي نجيبات جدا ومجتهدات الى حد لم أكن ابدأ اتوقعه وبدأت اشعر بان الشعب السعودي شعب طيب جدا ونجيب ومتفاهم.

أحببت المحاضرات وأحببت المكان وبدأت اشعر بأن هؤلاء الطالبات اخواتي فعلا. والحمد لله قد وجدن فيا شخصا حريص عليهن ولا يؤلي جهدا لان يساعدهن وفعلا وجدت حتى أن طالبات من اقسام غير اللغة الانجليزية يطلبن مساعدتي ادا وجاهتهن أية مشكلة وبالفعل بدأت اشعر بأنني جزء من هدا البلد.

لقد قد كنت اسير بالشوارع فأجد الاطفال قد ياتين يصافحنني ويسالوني عن موطني. لقد رايت الحب عندما كنت بشهر رمضان وكان الاساتدة السعوديين يدعونني للافطار ويأتون الى محل سكني بالسيارة خصيصا ويرجعونني. لقد عشقت البلد واكرمني الله وحججت بيته وكنت بقمة السعادة وججدت كم أن الشعب السعودي شعب طيب جدا وجميل وبأن على العكس الكثير من المصريين هناك لهم تصرفات نابيه وغريبه قد لا احب ان ادكرها قد لا تسيء الى المصريين بوجه عام.

مضى العام الدراسي وقررت أن استقيل لاتاب دراستي باحدى الجامعات الاوروبيه التي كنت قد قبلتها بها وكان عميد الكلية يريدني أن ابقى خصوصا على حد قوله أن طالباتي يطلبنني بالاسم لادرس لهن. كنت سعيد جدا بدلك ولكن كان لابد ان امضي نحوي حلمي العلمي فانا لست ارغب بان اجمع المال الاشتري عقارات وانما رايت بان العلم هو حياتي وكياني ومستقبلي.

سافرت الى احدى الدول العربيه التي ادرس بها الان وفي احدى الايام كتبت على صفحة التواصل الاجتماعي الفيس بوك الخاصة بي "مكه والمدينة في القلب والخاطر والوجدان ... مكه والمدينه اهلهما اهلي وناسهمها ناسي كم اشتاق لطالبتي وكليتي ومحاضراتي". فوجدت تعليقا من احد الاساتدة العاملين بنفس الكلية التي كنت اعمل بيها" ده انت كده تتهم بالعمالة والخيانة للسعودية."

فرددت: سبحان الله من حول قلبي من الكره الى الحب الشديد والهيام بهدا البلد الطيب. ولقد تعلمت بان لا احكم على شيء من كلام الناس وانما اسافر واجرب واتعلم وكما يقولون في السفر سبع فوائد. ولقد وجدت بتجربتي السعودية مائة فائدة وكسبت اهلا وناسا الى اهلي والحمد لله العلي القدير.

* الكاتب طالب دكتوراة بجامعة ودج ببولندا وكاتب الجارديان وجيروزاليم بوست

الأكثر قراءة