جامعة الأمير سلطان .. نموذج في ممارسات الحوكمة

هي أول جامعة أهلية في السعودية، لذلك ومنذ فترة وأنا أتابع التطور الذي تحققه هذه الجامعة الفتية، ولعل أول ما لفت انتباهي هو المستوى المتميز لخريجي الجامعة ومهاراتهم، ولقد أكد هذا الانطباع عدد من الأساتذة والرؤساء التنفيذيين الذين قابلتهم، ولقد توافرت لي فرص عدة للتعرف على هذه الجامعة من قرب من خلال عدد من المحاضرات التي قدمتها الجامعة. والسؤال الذي كان ولم يزل يثير اهتمامي هو: كيف استطاعت هذه الجامعة أن تحقق التميز لطلابها بينما هي تنهل من المورد نفسه الذي تنهل منه الجامعات السعودية الأخرى؟ وبمعنى آخر كيف استطاعت هذه الجامعة الفتية أن تعيش في وسط غير محفز ومع ذلك تخط لنفسها طريقا مليئا بالحوافز؟ وعلى كل حال فإن التميز الذي حققته جامعة الأمير سلطان وطلابها وهي تنهل من المعين نفسه الذي تنهل منه باقي الجامعات والكليات التي تشاركها الطريق نفسه هو الذي يجعلنا واثقين من قدرات الشباب السعودي على التميز، لكن إذا وجد بيئة صالحة لذلك.
لعل القارئ يدرك ما أعنيه تماما عندما يقوم بزيارة خاصة لهذه الجامعة، فهي تقع في قلب مدينة الرياض تماما، وفي منطقة تعج بكليات المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، والطريق إلى هناك يمثل فوضى عارمة من السيارات التي تقف كيفما اتفق في مخالفات صريحة للقواعد المرورية، وفي الطريق كليات أهلية أخرى حتى تصل إلى جامعة الأمير سلطان، وللحقيقة فالطريق يكاد يجبرك على العودة من حيث أتيت وتأجيل ما جئت من أجله، لكن ما أن تصل إلى بوابات جامعة الأمير سلطان حتى تختلف لديك الصورة تماما، إنه الشعور بدخول مرج من الزهور بعد أن تخطيت أشواك الغابة، دخول سلس لمواقف للسيارات مع مظلات، وحراسات أمنية، تنظيم رائع، يمكنك أن تقف بسياراتك في الأماكن المخصصة لتمر عبر ممرات جميلة إلى داخل الكلية، ورغم هذا فإن ما يهمني في هذا المقال هو دراسة نظام حوكمة الجامعة، فلعله يجيب عن بعض أسئلتي.
لفهم طبيعة هذا النظام كان لي لقاء مع الدكتور سعد بن صالح الرويتع، وكيل الجامعة للشؤون الإدارية والمالية. وشخصيا أعرف الدكتور سعد منذ كان رئيسا لقسم المحاسبة في جامعة الملك سعود، وهو قيادي بالفطرة وأستاذ متخصص وقدير، لذلك كان اللقاء ماتعا وكالعادة مليئا بالدروس، والملاحظ أن الدكتور الرويتع هو أحد أعضاء مجلس الأمناء، الذي يمثل أعلى سلطة إدارية في الجامعة، ويشاركه في عضوية هذا المجلس أستاذي الدكتور عبد الرحمن الحميد أستاذ المحاسبة والمراجعة في جامعة الملك سعود، الذي كان من أبرز الشخصيات التي ساهمت في إنشاء هذا الصرح. ومن يعرف الدكتور الحميد يعرف معنى الانضباط والسعي المستمر نحو الأفضل.
يرأس مجلس الأمناء الأمير الدكتور عبد العزيز بن محمد بن عياف، ويدير الجامعة الدكتور أحمد بن صالح اليماني، لكن تركيبة المجلس بهذه الطريقة تشير إلى الفصل الواضح بين منصب مدير الجامعة وهو منصب تنفيذي وبين منصب رئيس مجلس الأمناء، وهذه هي القاعدة المهمة في قواعد الحوكمة. وبجانب المجلس هناك لجنة تنفيذية يرأسها أيضا الأمير الدكتور عبد العزيز بن محمد بن عياف، وتضم في عضويتها خمسة أعضاء آخرين، من بينهم مدير الجامعة. وهنا تميزت جامعة الأمير سلطان، فرغم أن لائحة وزارة التعليم العالي قد اكتفت بمجلسين لإدارة الجامعة، إلا أن جامعة الأمير سلطان قد أضافت هذه اللجنة التنفيذية لتقديم دعم أكبر لمدير الجامعة.
عند النظر في هيكل الجامعة نراه يتميز ببساطة واضحة، فهناك مجلس الأمناء، ثم مدير الجامعة ثم وكالة الشؤون الإدارية والمالية ووكالة الشؤون العلمية، ثم الكليات، هذا الوضوح حتى في المسميات يساعد كثيرا على إدارة الجامعة، وهو ما تفتقده الجامعات السعودية الحكومية التي خلقت الكثير من الوكالات يتبعها الكثير من العمادات في هياكل شديدة التعقيد، وكلما كانت المسميات غير واضحة فإن المسؤوليات والمسألة تضيع، وتفشل الجامعة في تحقيق أهدافها بالتالي، وكلما تضخم الهيكل وتعددت المسؤوليات والخطوط المرجعية وتداخلت تاهت الحقيقة في دهاليز مثل هذا الهيكل، وأصبح لكل معاملة حظ خاص بها، فإما أن تمر "بحظها" في المسار الصحيح لها، أو تقع عاثرة في عبارة "خارج الاختصاص".
لم أجد في جامعة الأمير سلطان لجنة للمراجعة، ولا مراجعا داخليا، وهي من العناصر المهمة جدا في الممارسات الجيدة للحوكمة، ورغم أن هذه ليست مشكلة الجامعة بقدر ما هي مشكلة اللائحة الصادرة عن وزارة التعليم العالي، كما أن هذه الممارسات ليست مطبقة في جميع الجامعات السعودية، لكن جامعة الأمير سلطان قادرة على أن تقود الجامعات السعودية في أفضل ممارسات للحوكمة، وأن تقدم أفضل نموذج لها. لقد ناديت كثيرا بتطبيق ممارسات لجنة المراجعة في الجامعات السعودية، لما لهذه اللجنة من دعم كبير وواضح للإدارة والمراجعة الداخلية والمراجع الخارجي، كما أن الدعم الذي تقدمه هذه اللجنة للمراجع الداخلي يفرض على باقي الإدارات الالتزام بأهداف واضحة ومعلنة، مما يعزز مفاهيم التخطيط الاستراتيجي السليم، وهو تفتقده الجامعات السعودية حتى الآن، فحتى تلك التي لديها خطط استراتيجية، فإنها تفتقد خططا تنفيذية مرتبطة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي