الإسكان .. لا بد من سياسة حرق المراحل
ندخل العام المالي الجديد 2014، ونحن نحمل معنا مشكلة الإسكان التي لم تحل بعد، فمن الواضح أن هذه المشكلة تتنامى مع تنامي الإنفاق العام، ذلك أن المتاح من العقارات للسكن دائما أقل بكثير من الطلب، ومع تزايد الإنفاق ترتفع أسعار الأراضي، مما يجعل من الصعوبة بمكان الحصول على تمويل من المصارف التجارية نظرا لارتفاع الفوائد على قروض تمويل السكن، أضف إلى هذا أن الشباب يمثلون النسبة الغالبة من السكان، ومع مشكلات مثل ارتفاع الأسعار ونسب البطالة، فإن كل هذا يفاقم المشاعر السيئة نحو مشكلة توفير السكن، ويجعل هذه القضية حاضرة بقوة في ذهن المواطن السعودي، بل هي أكثر ما يقلقه.
لقد بذلت الدولة جهودا كبيرة على مستوى التنظيم الإداري من أجل حل هذه المشكلة، فمن هيئة للإسكان إلى وزارة، ثم ضم صندوق التنمية العقارية إلى وزارة الإسكان، مما أعطاها مرونة كبيرة في الحركة واتخاذ قرارات وحلول عاجلة، وتم رفع قيمة القرض من 300 ألف إلى 500 ألف ثم أضيف العديد من الإجراءات الأخرى، ولعل أهم قرارين تم اتخاذهما بهذا الشأن هما قرار تحويل الأراضي التي تشرف عليها جهات أخرى مثل الأمانات والبلديات إلى وزارة الإسكان، والثاني هو قرار منح المواطن أرضا وقرضا فوريا، ومع ذلك فإن المشكلة لم تزل تراوح مكانها، فلقد أعلنت الوزارة بعد صدور قرارات ضم الأراضي ومنح القرض والأرض معا أنها ستعلن عن آلية الاستحقاق بعد سنة، وتكاد السنة تمر، وما زلنا ننتظر الآلية وليس الحل نفسه، فكثير من الأراضي لم تزل في حاجة إلى تطوير، وكثير من المخططات بعيدة عن أقرب مدينة، وليس فيها مرافق عامة، ومع كل شهر يمر هناك عائلات سعودية تدخل طابور البحث عن سكن.
وبما أن المشكلة ليست تمويلية وليست تنظيمة، فما هي إذن؟ هذا هو السؤال وهذا ما يجب أن نفكر في حله.
وهكذا فمن اللافت للانتباه في مشكلة الإسكان، أن لدينا الآن قاعدة صلبة للحل، فهناك جهاز مسؤول، وفوق هذا يتملك قدرات تمويلية ضخمة، وأراضي تحت يد الجهاز، وقدرة اتخاذ القرار، فما المشكلة؟ نحتاج إلى تسريع عجلة العمل، نحتاج إلى سياسة واضحة تهدف إلى صهر المراحل، إلى القفز فوق الحواجز، إلى التفكير من خارج الصندوق، وهذا يتطلب من الوزارة أن تخلع ثوبها البيروقراطي، وأن تقبل بمزيد من المخاطر، على أن توجهها بمزيد من الإجراءات الرقابية غير البيروقراطية. إننا نتوقع أن تعمل وزارة الإسكان بطريقة أقوى بكثير من مما كان يقوم به صندوق التنمية العقارية، فقدرة الصندوق على العمل بمرونة وتحمل مخاطر تمويلية أكبر، كان يحد منها عدم تملك الصندوق زمام أمور عدة ومنها كود البناء، ومنح الأراضي وتطوير المخططات، وفي المقابل كانت الأمانات معزولة عن مشكلة الإسكان تماما فلم تتحمل على عاتقها هذه المشكلة بشكل واضح ومسؤول، وهذا ما جعلها لا تبالي كثيرا بقضية تطوير المخططات السكنية بسرعة تتناسب مع النمو في الطلب، لكن الآن ومع وجود وزارة الإسكان فإن هذه الموضوعات جميعها تعتبر تحت مجهر واحد، لذلك يمكن اتخاذ قرارات أكثر جرأة مما كان سابقا وهذا ما ننتظره من وزارة الإسكان.
مشكلة الإسكان، مشكلة متفاقمة، وخاصة في بلد يمثل الشباب فيه أكثر من 70 في المائة، والأسر السعودية تتجه إلى أن تصبح أصغر وهذا يزيد من الطلبات على السكن، وكل سنة تمر دون حل قوي ومؤثر لهذه المشكلة، فإن الطلب سيستمر في النمو وسيتعاظم، وستحدث تشوهات خطيرة في البنية الاجتماعية، وقد تعود إلى المجتمع ظواهر سلبية مثل البناء في مخططات عشوائية خارج نطاق المدن، التي ستمثل تحديا أمنيا كبيرا وتفاقم المشكلات الاجتماعية. لذلك لا يوجد وقت كبير متاح للوزارة ويجب عليها أن تظهر في عام 2014 بحلول ناجعة فعلا.