تطوير السوق المالية والتنويع المطلوب
جاء المنتدى السعودي الثاني للأوراق المالية، الذي عقد في مدينة الرياض برعاية الأمير بندر بن خالد بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، خلال الفترة 8-9 أيلول (سبتمبر) من العام الجاري، وبتنظيم من الغرفة التجارية الصناعية ممثلة بلجنة الاستثمار والأوراق المالية في الغرفة، وبدعم ومشاركة من هيئة السوق المالية، ليؤكد على العديد من المتطلبات اللازمة والملحة لتطوير آليات عمل السوق، بما يحقق المزيد من الكفاءة والاستقرار للسوق، والعدالة في التعاملات.
وعلى الرغم من إشادة المتحدثين في المنتدى بالخطوات التنظيمية والتشريعية، التي اتخذتها هيئة السوق المالية خلال الفترة الماضية، التي انعكست بشكل إيجابي للغاية على الأداء العام للسوق وعملت على استقراره، إلا أن السوق لا يزال يعاني العديد من أوجه القصور في جوانب عدة، وبالذات فيما يتعلق بمحدودية توافر أدوات الدين وقنوات الاستثمار المختلفة، بالشكل الذي يعكس حجم السوق كأكبر أسواق المنطقة ويمكن السوق من القيام بوظائفه الاقتصادية والتنموية المنوطة به على الوجه المطلوب، إذ تشير المعلومات الرسمية، إلى أن حجم سوق الصكوك والسندات الحالي، لا يتجاوز نسبة 3 في المائة من حجم الناتج المحلي للاقتصاد الوطني، في حين أن حجم هذا النوع من أدوات التمويل وبالذات بالنسبة لسوق السندات، يوازي حجم الناتج المحلي في دول مجموعة العشرين، ويصل حجمه بالأسواق الناشئة إلى نحو 50 في المائة. كما أن ما يوفره سوق الصكوك والسندات من حجم الإقراض في المملكة لا يتجاوز نسبة 6.7 في المائة، في حين يصل حجمه إلى نحو 60 في المائة بدول مجموعة العشرين وإلى 45 في المائة بالأسواق الناشئة.
إن محدودية أدوات الدين وقنوات التمويل بالسوق المالية، أسهمت بشكل كبير في تركز معظم التمويل الممنوح للقطاع الخاص بالقطاع المصرفي، إذ تشير الإحصاءات الرسمية، إلى أن حجم الائتمان المصرفي الممنوح للقطاع الخاص قد نما خلال السنوات الخمس الأخيرة بأكثر من 45 في المائة، حيث بلغ حجم مطلوبات المصارف من القطاع الخاص 734,6 مليار ريال بنهاية 2008، وارتفع ليصل إلى 1,082 مليار ريال بنهاية الربع الثاني من العام الجاري الذي يعادل أكثر من 450 في المائة من إجمالي حجم القروض القائمة التي قدمتها مؤسسات الإقراض الحكومية المتخصصة بنهاية الربع الثالث من العام الماضي.
كما أن محدودية قنوات الاستثمار في السوق، أسهمت بشكل كبير في اختزال مقدرات وإمكانات السوق الممكنة، بحيث أصبح مفهوم سوق المال في السعودية لدى عامة الناس، يقتصر على مفهوم تداول الأسهم فقط.
هيئة السوق المالية لم تقف مكتوفة الأيدي تجاه ذلك القصور في المفهوم وتوسيع قاعدة المنتجات بالسوق، فهي تعمل بجدية على تذليل الصعوبات والعقبات التشريعية والتنظيمية والهيكلية التي تعوق إصدار وتنويع أدوات الدين وتنشيط تداولها، بحيث تكون السوق أكثر جاذبية للاستثمار وإصدار أدوات الدين مقارنة بأي وقت مضى.
ويعاني السوق أيضاً ضعف الاستثمار المؤسسي، رغم بذل الهيئة جهودا كبيرة في سبيل تعزيز مفهوم ذلك النوع من الاستثمار في السوق المالية من خلال الأدوات المتاحة حالياً المتمثلة في صناديق الاستثمار وصناديق الاستثمار العقاري و''اتفاقيات المبادلةSwap Agreements'' التي تتيح للأجانب غير المقيمين الاستثمار في السوق المالية السعودية، حيث على سبيل المثال يبلغ عدد الصناديق المرخصة من الهيئة والعاملة في السوق حاليا 241 صندوقا استثماريا، بواقع 238 صندوقا استثماريا عاما، وثلاثة صناديق مؤشرات، التي يتجاوز إجمالي أصولها 100 مليار ريال، ويتملك وحداتها أكثر من 265 ألف مشترك. وفي ما يخص ''اتفاقيات المبادلة''، فقد بلغت قيمتها السوقية بنهاية شهر تموز (يوليو) الماضي أكثر من 20 مليار ريال.
ويطالب الخبراء بالسوق، بضرورة طرح المزيد من المنتجات غير التقليدية، لزيادة فرص التداول في السوق، مثل إتاحة إمكانية تداول عقود السلع والنفط والمعادن الثمينة وبعض السلع الأساسية لزيادة مستوى جاذبية السوق المحلي للاستثمارات الوطنية الداخلية والخارجية والاستثمارات الأجنبية على حد سواء، هذا بالإضافة إلى ضرورة إنشاء سوق ثانوي إلى جانب سوق الطرح الأولي، بحيث يمكن المستثمرين بالسوق ويتيح لهم فرصة التمييز بين الشركات من حيث مستوى ومتانة الأداء المالي والفصل فيما بينهما، ليتحقق بذلك مبدأ عدالة الإدراج.
خلاصة القول، إنه على الرغم من الجهود التي بذلتها هيئة السوق المالية ولا تزال في سبيل الارتقاء بأداء السوق، والعمل على تعزيز المفهوم الواسع والشامل لوظائف السوق، إلا أن السوق بحسب آراء المتحدثين في المنتدى السعودي الثاني للأوراق المالية، أنه لا يزال يعاني العديد من أوجه القصور المتمثلة في غياب البعد المؤسسي للسوق، حيث لا يزال البعد الفردي هو المهيمن والمسيطر على تعاملات السوق التي تقدر بنحو 90 في المائة، إضافة إلى افتقار السوق للتنويع المطلوب في قاعدة أدوات الدين وقنوات الاستثمار، الأمر الذي يتطلب العمل على ابتكار فرص استثمارية وأدوات دين جديدة، بحيث يصبح السوق أكثر جاذبية لإصدار وتداول أدوات الدين، ويحقق الأهداف الاقتصادية والتنموية المنشودة منه.