اقتصاد في مسيرة وطن
يصادف الأول من الميزان في كل عام إشراقة يوم وطني جديد على المملكة العربية السعودية، وفي هذا العام يُشرق اليوم الوطني الـ 83 على المملكة، وهي تنعم بخيرات وفيرة وإنجازات تنموية عملاقة عمت جميع أرجاء الوطن وطالت جميع أوجه الحياة وأنشطتها.
فعلى المجال الاقتصادي، استمر الاقتصاد الوطني في تحقيق معدلات نمو جيدة بالأسعار الثابتة، حيث بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العام الماضي 5,1 في المائة، وصاحب هذا النمو الاقتصادي الجيد تحقيق المملكة معدلات تضخم معقولة ومقبولة خلال الفترة الماضية، حيث على سبيل المثال، بلغ معدل التضخم في المملكة 3,5 في المائة في العام الجاري، ما انعكس بفوائد اقتصادية وتنموية كبيرة على الاقتصاد المحلي وعلى قدرة المملكة بتحقيق استقرار مالي، مكنها من تنفيذ المشاريع التنموية العملاقة الصحية منها والتعليمية والصناعية وغيرها، دون أن يتسبب ذلك النمو في حدوث ضغوط تضخمية في الاقتصاد أو ارتفاع ملحوظ في المستوى العام للأسعار.
هذا الاستقرار المالي للمملكة والأداء الاقتصادي المتميز، استند إلى اعتبارات عدة، من بينها - على سبيل المثال لا الحصر - حكمة إدارة السياسية النقدية والسياسة المالية التي تنتهجها الحكومة، والتي حققت للمملكة واقتصادها الاستقرار المالي المنشود، وحققت أيضاً لماليتها العامة فوائض كبيرة استخدمت في الإنفاق على مشاريع تنموية عملاقة شملت جميع أوجه ومناحي الحياة، حيث على سبيل المثال، بلغ عدد عقود المشاريع التي طُرحت خلال العام المالي الماضي نحو ألفَيْ مشروع، وبلغت قيمتها ما يقارب 137 مليار ريال، كما تضمنت الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجاري العديد من البرامج والمشاريع الجديدة، ومراحل إضافية لبعض المشاريع التي سبق اعتمادها بلغت قيمتها الإجمالية نحو 285 مليار ريال.
هذه الفوائض المالية الكبيرة التي تحققت خلال السنوات القليلة الماضية نتيجة لحكمة إدارة السياستين المالية والنقدية، مكنت المملكة من تخفيض حجم الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة، حيث توقع بيان الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجاري، أن ينخفض حجم الدين العام بنهاية العام المالي الماضي إلى 98,848 مليون ريال، الذي يمثل نحو 3,6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعام نفسه.
وعلى جانب قطاعي التعليم والصحة دأبت الحكومة في الأعوام الماضية على تخصيص نصيب الأسد من نفقات الميزانية لهذين القطاعين، بُغية التحسين من مخرجات التعليم العام والعالي على حد سواء، والارتقاء بنوعية الخدمات الصحية التي تُقدَّم للمواطنين، الأمر الذي يؤكده تخصيص ما نسبته 37 في المائة من نفقات الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجاري لقطاعي التعليم والصحة، حيث تم رصد مبلغ 307 مليارات ريال لهذين القطاعين من إجمالي إنفاق الميزانية المتوقع، الذي يبلغ 820 مليار ريال.
وعلى جانب بناء الإنسان السعودي، وبالذات من فئة الشباب، فقد تم تخصيص أكثر من 21 مليار ريال للإنفاق على برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، إضافة إلى تخصيص 30 مليار ريال للإنفاق على احتياجات برنامج إعانة الباحثين عن عمل (حافز).
وعلى الجانب المصرفي، فلا يزال القطاع المصرفي يحقق أداءً مالياً قوياً ومتيناً، نتيجة لاستمرار مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) في انتهاج سياسة نقدية تهدف إلى تحقيق الاستقرار المالي واستقرار الأسعار، ما مكن المصارف المحلية من التوسع في عملياتها المصرفية، وبالذات في الجانب المرتبط بتمويل مشاريع القطاع الخاص، إذ على سبيل المثال، ارتفع إجمالي مطلوبات المصارف التجارية من القطاعين الخاص والعام خلال الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 4,1 في المائة ليبلغ 1350,3 مليار ريال، كما بلغت نسبة مطلوبات المصارف من القطاعين الخاص والعام 101,7 في المائة من إجمالي الودائع المصرفية.
وأثنت تقارير أممية على أداء الاقتصاد السعودي، حيث أشاد - على سبيل المثال لا الحصر - تقرير صدر عن صندوق النقد الدولي بالأداء المتميز للاقتصاد السعودي ووصفه بأنه من بين أفضل اقتصادات دول مجموعة العشرين أداءً، مستفيداً في ذلك من ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنتاج، والنمو القوي في القطاع الخاص، والإنفاق الحكومي، ومحافظته على مستويات تضخم معقولة.
خلاصة القول: إن المملكة حكومة وشعباً تستقبل اليوم الوطني الجديد الـ 83 هذا العام، وهي تنعم - ولله الحمد - باستقرار سياسي واجتماعي ومالي واقتصادي يحلم به العديد من دول العالم، ما مكنها من تحقيق معدلات نمو اقتصادية جيدة والاستمرار في الإنفاق التوسعي على المشاريع التنموية العملاقة لما فيه مصلحة المواطن السعودي.
من بين العوامل العديدة، التي ساعدت وأسهمت بفاعلية في تحقيق المملكة معدلات نمو جيدة والرفع من مستوى الإنفاق العام على المشاريع، وبالذات بالنسبة للمشاريع التي لها مساس مباشر بحياة المواطنين ورفاهيتهم، استقرار أسعار البترول العالمية عند مستويات تفوق المستويات المستهدفة للمملكة في حدود 75 دولارا للبرميل، ما مكّن المملكة من بناء احتياطيات مالية جيدة، إضافة إلى الاستمرار في انتهاج سياسة إنفاق توسعية على المشاريع مع القدرة على المحافظة على استقرار الأسعار وتحقيق مستويات تضخمية معقولة ومقبولة، ما انعكس بشكل إيجابي على أداء الاقتصاد العام، وعلى الإنسان السعودي، الذي أصبح اليوم بما يملكه من دعم واهتمام من قبل الدولة ينعم بمستوى معيشي يعد من بين أفضل مستويات المعيشة على مستوى العالم.