التصويت التراكمي لانتخابات مجالس الإدارة
Amy personal @ yahoo.com
الشركات المساهمة العامة مؤسسات تنمية ونمو اقتصادي أولاً ثم قناة استثمار عامة مفتوحة للجميع. كما أنها أهم مصدر توظيف بشري بالقطاع غير الحكومي.
وقد أقرتها الدول ذات الأنظمة الاقتصادية الحرة لتحقيق سلة من المنافع فهي تحقق بعض خطط الدولة التنموية سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الخدمية. كما توفر في الوقت نفسه فرص استثمار آمنة نظرياً على الأقل تحت رقابة ونظر وتشريعات الدول. وقد بدأ ظهور هذه الشركات كفاعل مهم ومحرك اقتصادي في الولايات المتحدة بداية القرن العشرين، خاصة في مجال صناعة الحديد والنقل ثم لاحقاً النفط والكهرباء. وكان انهيار 1929م الكبير في قطاعات الاقتصاد الأمريكي كافة وسوق الأسهم خاصة من أهم الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة الأمريكية ذات خبرة وباع طويل وتجربة متراكمة في التشريع التجاري والاستثماري ضماناً للأحوال والاستثمارات العامة من سوء التدبير والإدارة والخداع والتدليس وخيانة الأمانة.
ومما يميز الشركات المساهمة العامة اليوم أنها أصبحت وعاء ادخار واستثمار غاية في الضخامة وانخرط فيها واشتغل بها ملايين المواطنين وأضحى الأمر موضوع أمن اقتصادي واجتماعي. ولا أرغب الخوض في موضوع الانهيار الكبير وأسبابه ولكن أود أن أركز على أمر غاية في الأهمية وهو قانوني تشريعي ويعتبر صماماً دائماً وفعالاً للأزمات على المدى الطويل يخص ما يقارب المئات من أعضاء مجالس الإدارة في الشركات المساهمة العامة.
ولقد حاول البعض البحث في هذا الأمر منذ 1987م. وأذكر أني اطلعت في ذلك العام على أول دليل للشركات المساهمة يشمل أعضاء مجالس إدارتها حيث لاحظت أن هناك عدة مئات من الأعضاء يتكرر اسم كثير منهم في أكثر من شركة، مما شكل ما يسمى جمعية أو نادي أعضاء مجالس الإدارة. وهي النخبة الاجتماعية المعروفة في مجال الأعمال ومن أسر تجارية غالباً لها دور فعال اجتماعياً.
ولا يزال الكثير من هذه الأسماء يمارس الدور نفسه منذ ما يقارب ثلاثين عاما وقد صدرت قرارات وزاريه عدة لتنظيم عضوية مجالس الإدارة ومنها ما منع الجمع بين أكثر من شركة ومصرف أو بين عضويتين متقاربتين في النشاط أو ما يخص الأكاديميين وعضوية موظفي الدولة. أرجو في هذا السياق أن يلقى طرحي هذا عناية واهتمام الإخوة أعضاء مجلس الشورى والإخوة في وزارة التجارة والصناعة وأن ينظر له من منظور التجارة العادلة وتساوي الفرص والعدالة الاجتماعية والأمن الاقتصادي للدولة، خاصة بعد الانهيار الكبير العام الماضي.
وبهذا أحث المشرعين وأصحاب العلاقة كافة بنظام الشركات الجديد ومسودته المعروضة على المقام السامي ثم مجلس الوزراء ومجلس الشورى على استخدام التصويت التراكمي بدلاً من تصويت الأغلبية في انتخابات مجالس الإدارة في الشركات المساهمة العامة.
ومن المعلوم أن نظام تصويت الأغلبية يخصص سهما لكل صوت في الاقتراع والتصويت على المسائل المطروحة على الجمعية العمومية بما في ذلك انتخاب مجلس الإدارة وعلى المساهم أن يستخدم كل الأصوات التي يملكها للتصويت لكل مركز عضو مجلس الإدارة ويفوز المرشح للعضوية حسب أغلبية الأصوات الممنوحة له حسب نتيجة الفرز وهذا هو الأسلوب المعتمد والمتبع في المملكة منذ عشرات السنين.
واعتقد أن هذا هو ما أوصلنا إلى هذا الوضع خاصة مع غياب التشريعات التفصيلية والقانونية التي تحدد واجبات ومسئوليات ومدى المسؤولية المدنية أو الجنائية لعضو المجلس ونظاما مفصلا حول تضارب المصالح والحوكمة والتنظيمات المالية الخاصة بمجالس الإدارة.
ومن خبرتي العملية هناك دائماً فجوة تواصل وتفاهم بل وإدراك بين الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة في عدد كبير من الــ 86 شركة المساهمة. سواء كانت رابحة أو خاسرة وقد انحصرت عضوية مجالس الإدارة في أسماء معروفة للجميع ، وهي أسماء ناجحة في أعمالها العائلية أو الخاصة ومنها القيادي والمحترف ، لكن الشركات المساهمة العامة اليوم وفي عصر المعرفة وتقنية المعلومات والتخصص تحتاج إلى الجيل الجديد من رجال الأعمال المتخصص في إدارة الشركات إدارياً ومالياً وقانونياً ، وأصحاب اطلاع واسع ومواكب لمتغيرات الصناعة اليومية ، ولا يمكن أن تدار الشركات المساهمة العامة بأسلوب إدارة الشركات العائلية نفسه القائم على التسوية والتراضي والحلول الاجتماعية .
أما أسلوب التصويت التراكمي والمعمول به في كثير من الدول فهو بعدد الأصوات التي يملكها كل مساهم بحاصل ضرب عدد الأسهم التي يملكها بعدد مراكز عضو مجلس الإدارة الشاغرة والمطروحة للتصويت والانتخاب فلو كان هناك خمسة مراكز أعضاء مجلس الإدارة شاغرة ومطروحة وكان المساهم يملك ألف سهم فيحق للمساهم خمسة آلاف صوت ويستطيع منحها كلها لمركز عضو مجلس إدارة واحد أو أكثر من واحد حسب رغبته.
وتعتبر هذه الطريقة أكثر عدلاً وإنصافا من طريقة تصويت الأغلبية بل تحقق التوازن بين كبار الملاك وصغار الملاك وتصبح الشركة تحت سيطرة رأس المال والحكمة والاحتراف معاً.
ولا يخفى على الجميع أن بالمملكة اليوم آلاف رجال الأعمال والتنفيذيين من صغار ملاك الأسهم المؤهلين في مجال إدارة الأعمال وإدارة الشركات المساهمة يمثلون المدارس الحديثة والرائدة في إدارة الأعمال سواء بأوربا أو أمريكا ولديهم الحس والإدراك اللازم لحسن اختيار أعضاء المجلس بعد دراسة مؤهلاتهم وقدراتهم قبل التأثر بحجم استثماراتهم.
ولا يخفى على الجميع وجود العديد من أعضاء مجالس الإدارة، الذين يقتصر دورهم على حماية مصالحهم وحصصهم في الشركة مع القليل من الخبرة والمعرفة والدراية المحلية والإقليمية والدولية في أعمال الشركة وآلية عملها وخططها الاستراتيجية والتشغيلية، وسيتكرر ما حدث أثناء وعقب الطفرة الأولى بدخول وجوه جديدة لمجالس الإدارة عديمة الخبرة والدراية رغم حصولها على مؤهلات عليا لا تتعلق بقطاع الأعمال. وهذا ما سيحصل الآن في ظل طفرة الشركات الجديدة.
المطلوب اليوم أعضاء مجالس الإدارة يواكبون عصر منظمة التجارة العالمية. غاية في الاحتراف والتأهيل والتخصص مع إعطاء هذا المنصب حقه من الاطلاع والمعرفة والوقت. ويستخدم التصويت التراكمي في كثير من الدول، إضافة إلى أسلوب التصويت بالأغلبية. كما أن بعض الدول تترك أسلوب التصويت محل اختيار مؤسسي الشركة أو الغرف التجارية مع وجود أنظمة ورقابة تامة في الدولة.
وأدعو إلى دراسة عملية لعدد من الدول والشركات التي تستخدم هذا الأسلوب ودراسة أثره في أوضاعها الاقتصادية وأقترح هنا استخدام التصويت التراكمي في الشركات التي لا تساهم فيها الدولة وتصويت الأغلبية في الشركات المملوكة للدولة. كما يمكن اعتماد التصويت التراكمي في أول عشر سنوات من عمر الشركات حديثة التأسيس.
وهذا والله الموفق.