المادة المستحيلة
لا تحزن أو تحبط وتحاول الدفاع عن نفسك عندما تخطئ، فربما كان خطؤك سببا في نجاحك أو في اكتشاف شيء جديد يُبقي ذكرك ما بَقيت الأرض، فكم من الأخطاء البشرية كانت فتحا لاختراعات ما زلنا ننعم بفضلها.
فمنذ عام 1906 والمحاولات مستمرة لتصنيع نوع من "كربونات المغنيسيوم" الخالي من الماء والقادر على امتصاص الماء والسوائل الأخرى بكفاءة عالية، وفي كل مرة تبوء محاولات الباحثين بالفشل، ويخلصون إلى استحالة تصنيع هذه المادة، لذا أطلقوا عليها "المادة المستحيلة"! نظرا لتكلفة صناعتها المرتفعة والحاجة إلى درجات حرارة عالية عجزوا عن التحكم فيها، وحتى الطريقة الأقل تكلفة لم تتناسب مع كربونات المغنيسيوم!
حتى جاء مساء ذلك الخميس من عام 2011 الذي انقلبت فيه الموازين وحدثت المفاجأة نتيجة غلطة!
ففي تلك الأمسية نسي الباحثون من فريق الدكتور يوهان قوميز المادة التي فشلوا في تصنيع المادة المستحيلة منها داخل الجهاز، دون أن يوقفوا تشغيله طيلة إجازة نهاية الأسبوع!
وعندما عاد الباحثون في صبيحة يوم الإثنين كانت المفاجأة أن وجدوا المادة التي نسوها قد تحولت إلى هلام جامد، وبعد تجفيفه ودراسته عن كثب أدركوا أنهم توصلوا إلى شيء ما!
وبعد عديد من التحسينات على مدار عام كامل ولدت المادة المستحيلة التي أطلقوا عليها اسم "الأبسالايت" أو upsalit نسبة إلى الجامعة السويدية التي جرى فيها البحث والاكتشاف "أوبسالا".
فما أهمية هذه المادة التي ظل العلماء يحاولون تصنيعها منذ قرن من الزمان؟
تكمن أهميتها في قدرتها العالية على امتصاص الماء والسوائل الأخرى وحتى مخلفات المواد الصلبة والمواد السامة، نظرا لمساحتها السطحية التي لا يوجد لها مثيل بين المواد، حيث يغطي الجرام الواحد منها مساحة 800 متر مربع من شدة خفتها، هل تخيلت كبر مساحتها؟!
كما أنها مليئة بالمسام التي يبلغ قطر الواحد منها أقل من 10 نانو أي أصغر من قطر شعرة الإنسان!
ما يعطيها القدرة العالية على الامتصاص والاتحاد مع الجزيئات والذرات والأيونات المنبعثة من الغازات والسوائل والمواد السامة والتسريبات النفطية، كما يمكن استخدامها في الحلبات الرياضية والمستودعات وصناعة الأدوية لامتصاص الماء حتى في الرطوبة المنخفضة أعلى من أي مادة أخرى بـ 50 في المائة والقضاء على الروائح الكريهة.
وهذه المادة ستُمكن البشر من تخفيض حجم الطاقة المطلوبة للسيطرة على الرطوبة التي تتسلل إلى الأجهزة الإلكترونية والروائح المنبعثة بعد الحرائق، وأهم من ذلك يُمكن استخدام هذه المادّة في امتصاص النفايات السامّة والمواد الكيميائية الخطيرة أفضل من المواد المسامية الأخرى ذات المساحات السطحية العالية، مثل السيليكا والزويولايت والأعمدة الكربونية النانونية.
فالأخطاء لا تعلمنا الصح فقط، بل قد تفتح لنا أبوابا كنا غافلين عنها، وما كنا لنصل إليها لولا أخطاؤنا.