قانون الكتلة الحرجة

قانون الكتلة الحرجة

قانون الكتلة الحرجة

نظر إلي زميلي متضايقاً من الأوضاع، قال: لا أفهم، ليس هناك من شيء يمشي بنعومة؟ قلت له: المجتمعات ثلاثة، فمنها من يعمل على النبض الإلكتروني. ومنها بالضغط على زر الكهرباء، فتمشي المعاملة على سكة بدون دفع، ومنها مجتمع الدفش، أو عمل القابلات، فلا يولد شيء بدون حزق وضغط وكبس ووساطة ومعرفة شخصية.
كما تفعل الحامل حينما تلد، وفي اللحظة التي تتوقف الأم عن الدفع اختنق الجنين؛ فهذه هي أوضاعنا في العالم العربي.
ابتسم صديقي للوصف.
قلت له والآن نأتي للشطر المزعج من المسألة، وهو قانون المشكلة والموقف منها. فالمشكلات ليست في ذاتها بل في موقفنا منها.
ورب مشكلة كالجبال أصبحت يسيرة على ذوي العزائم، ورب قضية سخيفة سببت ضيقا في الصدر للكسالى والتنابل.
ابتسم صاحبي أكثر.
تابعت: الذكاء هو لعبة تكيف، ويجب أن نفرق بين النفاق والذكاء؛ فالمنافق ضد الأوضاع، ويتظاهر بأنه معها، ويتمنى الشر للمجتمع، ونزلت سورة كاملة باسم المنافقين، واختص ثلث سورة التوبة في الحديث عنهم.
والذكي من تطابق مع الواقع، وحاول التحسين ولو بنصف درجة من الزاوية! قلت له: إن ميزة الدماغ الإنساني هي الوعي، وهو بهذا يختلف عن بقية الكائنات. والمصارع الإسباني ضعيف للغاية أمام الثور، ولكنه يغلبه بذكائه؛ فهذه هي ميزة الإنسان.
والدماغ الإنساني تولد فيه الوعي حينما قفز عدد الخلايا العصبية إلى مائة مليار، وهذا يختلف عن وزن الدماغ، والأخير ذو دور؛ فلولا كمية العصبونات ما ارتفع الوزن.
ويقال إن إنسان نياندرتال الذي عاش مع أجدادنا، واندثر قبل خمس وثلاثين ألف سنة، في ظروف غامضة، كان يمتلك الوعي الذي نحمله بسبب وزن الدماغ الذي تجاوز عنده الكيلو غراما، ويقول أطباء التشريح والعصبية وعلوم النفس والفيزيولوجيا إن الوعي انبثق من الدماغ، من رحم التعقيد، حين تجاوز الدماغ وزن ألف غرام.
والأجنة التي تولد بدماغ صغير لا تتابع الحياة، أو كان صاحبها أقرب للهبل. وقانون الكتلة الحرجة، يدفع الدماغ لإفراز الوعي، حينما تصل إلى الحافة الحرجة كتلة الدماغ من الوزن وعدد الخلايا العصبية، ويشبهه في الفيزياء نقطة الغليان في الماء، أو التأثر في النفس عندما نبكي، أو الانفجار الاجتماعي بالثورات؛ فهي تعتمد أيضا الدرجة الحرجة، ولكنها مغيبة لا يجليها لوقتها إلا هو.
وعندما بدأ الأمريكيون يطورون السلاح النووي اتجهوا للمجهول. وكانت إحدى المشكلات المستعصية هي قانون الكتلة الحرجة؟ فكم يجب أن يكون وزن الكتلة من مادة اليورانيوم، حتى يحدث الانشطار النووي، في واحد من مليون من الثانية؟ وعمل على هذه المعضلة خيرة العقول الرياضية يومها، ووصلوا إلى رقم يحوم بين ستة كيلو غرامات و60 كيلو غراما، ومازال حتى اليوم سرا حربيا.
وأي دولة تريد تطوير سلاحها النووي يجب أن تحل هذه المعضلة.
وقام (فيرنر هايزنبرغ) العالم الألماني بقفزة نوعية من الناحية النظرية، حينما قال بأن الانشطار النووي، يمكن أن يتم من اليورانيوم 235، أو البلوتونيوم 239، ومادة اليورانيوم الخام ذات وزن ذري هو 238، فيمكن اللعب فيها بزيادة أو حذف البروتونات، وإضافة النترونات، فيصبح الوزن الذري 239، وأخذت المادة الجديدة اسمها من كوكب بلوتو؛ فسميت بلوتونيوم.
وذرة اليورانيوم الخام فيها 92 بروتونا و146 نترونا فيمكن من سحب بروتون، وإضافة نترونين، أن نحصل على مادة البلوتونيوم الجاهزة للانفجار.
وكان ذلك بواسطة المفاعل النووي، الذي جهزه انريكو فيرمي الإيطالي للمرة الأولى، فأمكن إنتاج القنابل النووية بالجملة، مثل إنتاج السيارات في مصنع فورد أو شتوتجارت للمرسيدس. والله يعلم وأنتم لا تعلمون.

الأكثر قراءة