أسباب الموقف العماني من الاتحاد النقدي
لم يكن الموقف الذي أعلنه وزير الاقتصاد العماني بشأن انسحاب السلطنة من مشروع الاتحاد النقدي الخليجي مفاجئا بشكل كامل للمراقبين. يشار إلى أن وزير الاقتصاد العماني أحمد بن عبد النبي مكي أعلن في الأسبوع الماضي بشكل واضح وصريح عدم رغبة بلاده في الانضمام إلى مشروع الاتحاد النقدي والمزمع تنفيذه بحلول عام 2010.
المعروف أن قمة مجلس التعاون الخليجي السابعة والعشرين التي عقدت في الرياض في نهاية عام 2006 أكدت تنفيذ البرنامج الزمني لإقامة الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة. حدث ذلك رغم إفصاح عمان عن نيتها عدم الانضمام إلى وحدة بحجة عدم قدرتها استيفاء الشروط المطلوبة بخصوص تحديد نسب المديونية العامة والتضخم وأسعار الفائدة والاحتياطي.
نقص الشفافية
بيد أنه أكثر ما لفت انتباه المراقبين هو إفصاح الوزير عن التعقيدات التي تواجه دول المجلس في تنفيذ هذا المشروع الطموح. فقد جاء في كلام الوزير مكي أن لجنة الاتحاد النقدي تواجه صعوبات جمة بسبب نقص الشفافية وعدم وجود الاستعداد الكامل من قبل الدول للإفصاح عن المعلومات الضرورية بحجة عدم المحافظة على سريتها. وأكد الوزير مسألة صعوبة تحديد دقة البيانات لغرض معرفة مدى التزام الدول بالمعايير المطلوبة فيما يخص مشروعات التكامل الاقتصادي بين دول المجلس.
حقيقة لا نعرف فيما إذا كان الهدف من كلام الوزير هو تبرير موقف بلاده أم لا؟ لكن على كل حال يمكن تفهم خيبة الأمل الموجودة لدى بعض المسؤولين من صعوبة تنفيذ مبادئ التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون. المعروف أن دول مجلس التعاون قررت أخيرا تأخير عملية الانتهاء من تنفيذ مشروع الاتحاد الجمركي إلى بداية عام 2008. يتمثل هذا المشروع في اتباع سياسة تجارية موحدة مع الدول غير الأعضاء بخصوص أمور مثل فرض تعرفة موحدة على الواردات. يعود تاريخ دخول اتفاقية الاتحاد الجمركي إلى حيز التنفيذ لعام 2003. استنادا إلى الخطة الأصلية كان المفروض أن تنهي دول الخليج الإجراءات المطلوبة لتحقيق الاتحاد الجمركي مع نهاية عام 2005. لكن قرر قادة دول المجلس في القمة السادسة والعشرين التي عقدت في أبو ظبي بمضاعفة الفترة الانتقالية حتى عام 2007. حقيقة القول تتحدث بعض التقارير عن استمرار وجود تباين بين الدول الأعضاء بخصوص مستويات الرسوم المفروضة على الواردات.
أيضا يتوقع حدوث تأخير في تنفيذ مشروع السوق المشتركة في نهاية عام 2007. يرتكز مفهوم السوق المشتركة في منح وسائل الإنتاج الحركة في التنقل بين الدول الأعضاء. بمعنى آخر فقد حاول الوزير العماني تبرير جانب من موقف بلاده في صعوبة تنفيذ مشروعات التكامل الاقتصادي بين دول المجلس في أحسن الأحوال.
شروط الوحدة النقدية
بدورنا لا نلوم الوزير مكي على ما قاله, لكننا نعتقد بوجود أسباب جوهرية تهم المصالح الاقتصادية للسلطنة. على سبيل المثال, تخشى عمان خسارة جانب من قدرتها التنافسية في حال تقديمها بالتزامات الاتحاد النقدي. تضمن المعايير تقيد الدين العام بنسبة 60 في المائة من الناتج المحلى الإجمالي. أيضا المطلوب من الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي ضمان عدم ارتفاع مستوى التضخم عند متوسط الدول الأعضاء زائد 2 في المائة. أيضا ينبغي ألا تزيد أسعار الفائدة على متوسط أدنى ثلاث دول زائد 2 في المائة. كما أن المطلوب من الدول الاحتفاظ بقدر من الاحتياطي يغطي قيمة واردات لمدة أربعة أشهر.
بعد قراءة واقع الاقتصاد العماني تبين لنا أن السلطنة لا تعاني من مشكلة في المعايير في الوقت الحاضر. فقد حققت الموازنة العامة للسنة المالية 2005 فائضا قدره 11 من حجم الناتج المحلي الإجمالي. أيضا تحتفظ عمان باحتياطي يزيد على قيمة واردات لفترة خمسة أشهر ونصف الشهر.
الحفاظ على قيمة الريال
لكن يبدو لنا أن السلطات العمانية ترغب في تحاشي حدوث خسائر محتملة لاقتصادها في حال الانضمام إلى العملة الموحدة. يشار إلى أن العملة العمانية هي الأضعف بين عملات دول المجلس، الأمر الذي يمنح الاقتصاد العماني فرصة جلب الزوار من الخارج وعلى الخصوص من دول منطقة اليورو. كما أن الضآلة النسبية لقيمة العملة تساعد على تعزيز فرص الصادرات غير النفطية للدول الأخرى، الأمر الذي يخدم مسألة الحفاظ على بعض الوظائف، فضلا عن إيجاد وظائف جديدة أخرى للشباب العماني الداخل إلى سوق العمل. في المقابل, ستتسبب الوحدة النقدية في التزام عمان بقيمة موحدة للعملة المشتركة، ما يعني خسارة الاقتصاد العماني لجانب من ميزتها التنافسية.
إضافة إلى ذلك, ترغب عمان في استمرار ربط عملتها الوطنية بالدولار الأمريكي بدليل الإعلان عن نية احتفاظ غالبية الاحتياطي العام بالدولار الأمريكي بحجة أفضلية نسبة الفائدة على الدولار مقارنة بالعملات الأخرى. يشار إلى أن أحاديث أشارت إلى احتمال تخلي دول المجلس عن سياسة الربط بالدولار الأمريكي ربما في وقت لاحق. كما ترغب السلطات في عمان أن تكون في حل من نفسها فيما يخص رفع الدين العام لأغراض تنموية. باختصار هناك أسباب اقتصادية محلية بحتة وراء الموقف العماني بعدم الانضمام إلى مشروع الاتحاد النقدي.