أحلامها
أحلامها
هي واحدة من باقة بنين وبنات نسقها الأب والأم برعاية من الله ، هي وردة ريّانة في ربيعها الثّالث ، وجه أزهر، وشعر ذهبيّ بلون خيوط الشّمس ، كلام طفوليّ يخرج من بين ثنايا تتفتّق عن حبات لؤلؤ ، عصفورة تستيقظ حين تغرّد عصافير الفجر الجديد ، فتكون أوّل مستيقظة في العشّ ، فتتسلّل إلى فراش أمّها وأبيها موقظةً إيّاهما ، فتغرّد لهما : (( أصحّي إخواني يروحوا على المدرسة )) فيبتسمان فتكون قد حصلت على الإذن ، فتهرع إليهم (( قوموا علشان المدرسة )) يستيقظون بعد أن تكون قد سحبت عنهم ألحفتهم مرّات ومرّات ، هم يتشبّثون ، وهي تلحّ ؛ لعلّها أدركت : أنّ العمر لا ينتظر ! وتربح المعركة دائمًا فلا بدّ أن يقوموا . في حضنها العزيز تجلس لتتناول فطورها اليوميّ وكأس حليبها ، الّذي تسأل عنه.
دائمًا وتجيب : (( من وين بنجيب الحليب ؟ من البقرة صح )) ،ويخرج سربها إلى مدرستهم ولكنّها لا تلحق بهم فهي غير قادرة على التحليق في المدرسة بعد فأجنحتها ما زالت غضّة ، لكنها تقف على الشّباك ملوحةً بيدها سبعين مرة في الدّقيقة ، طالبة منهم إحضار ما لذّ وطاب ، فهي العصفورة الباقية في العش وهي ذات الدّلال . ما أن تختفي آثارهم عن عيونها حتّى تطير إلى غرفتها وتخرج حقيبتها وتبدأ بترتيب كتبها الّتي ورثتها عنهم ، وهي تقول هذا كتاب الإنجليزي وهذا كتاب العلوم خالطة المسميّات بعضها ببعض ، ثمّ تتّخذ زاوية من زوايا البيت صفًا لها ، هي المديرة والمعلّمة والطالبات ، تحدّث نفسها وتتقمّص دور كلّ واحد منهم ، وإذا نادتها أمّها ، كان جوابها : أنا في الصّف ، لمّا يرن الجرس أطلع ، أو تعالي اطلبي إذن من المعلمة ، دقائق تمرّ لتدقّ باب المطبخ على أمّها : (( أنا جيت من المدرسة ، أخذت في الامتحان ممتازة وجبت عشرين من ميه ، صح عشرين من مية الأولى ؟! وتستمر في سرد أحداث يومها الدراسي الممتع الّذي لم تغادر فيه زاوية الغرفة: (( لعبت ما أصحابي ، المعلمة قالت لي ممتازة يا بطلة ، معلمتي رشا بتحبني وبدها توخذني رحلة ، وقعت وأنا بلعب في الساحة، جبت لك علكة ، عندنا اختبار علوم ... )) كلّ هذا وهي لم تزر المدرسة في حياتها إلاّ ثلاث أو أربع مرات مرافقة أمّها ، وما أن يعود إخوتها إلاّ وتكون قد أعدت لهم كمشة من الأسئلة الّتي تساعدها على الاستمرار في تقمّص دورها وإتقانه لما يلي من أيام ، وتتناول منهم إتاوتها اليومية من الحلوى والشيبس والعلكة و... ، وتجلس إلى جانبهم في مذاكرتهم ، وتحفظ بعضًا مما يردّدون ، فتقول : (( فعل مبنون على الفتح ، و6 ضرب 5 = 4 ، وبلدي كبير وحلو ، ومحمّد نبينا ، و ... ، وتدرك أنّ الإجازة بعد تعبها ضروريّة فهي تمضي أيام الدراسة في جِدّ واجتهاد ، وتسأل عن يومي الجمعة والسبت فهما من حقّها ، وتدرك أنّ هذه المدرسة من صنع خيالها فهي تعدّ على أصابعها ثلاثة ، وهي السنوات الّتي تلتحق بعدها بالمدرسة.
أتساءل : هل تستمرّ في هذا الحبّ الجنونيّ للمدرسة الّتي رسمتها ؟ أم أنّها أحلام طفولة يواجهها الواقع غدَا فتتثاقل في الذهاب كما جلّ طلابنا ، ويضيق عقلها بما يُحشى فيه من معلومات ؟! وما يتعرضون له من زلازل الاختبارات ؟