لأسهم السعودية .. الاحتساب للمستقبل

لأسهم السعودية ..  الاحتساب للمستقبل

الكل يتحدث عن معاناة صغار المساهمين في سوق الأسهم السعودية ولا نستطيع العودة إلى الماضي وإلى قبل وقت ارتفاع الأسهم بصورة حادة لتفادي ذلك، ولكننا نستطيع الاحتساب للمستقبل حتى لا تتكرر سلبيات الماضي أو تستمر. وعلى الرغم من متانة الاقتصاد السعودي ووضوح اتجاهات النمو المستقبلية إلا أن سوق الأسهم لا تعكس النظرة التفاؤلية نفسها كنتيجة طبيعية نفسية للهبوط الحاد ونزول أسعار بعض الأسهم إلى أقيـام غير واقعية سواء تلك التي ما يطلق عليها قيادية أو ما يعرف بشركات النمو. وذهبت السوق من نقيض إلى نقيض وفقدت توازنها بعزوف الكثيرين عن شراء الأسهم كوسيلة آمنة للاستثمار والادخار. وتكمن خطورة ذلك أن طالت هذه الفترة بتولد قناعة طويلة الأمد لدى المستثمرين بعدم جدوى الاستثمار في سوق الأسهم السعودي مما يؤدي إلى تعطل آلية إنشاء كيانات جديدة لعدم قدرة السوق على استيعابها على الرغم من وجود فوائض مالية لدى الأفراد ما أدى إلى خروج الرساميل المالية إلى خارج المملكة بحثاً عن مكان آمن للاستثمار لارتفاع نسبة المخاطر الاستثمارية في سوق الأسهم السعودية، أو الاتجاه الكلي إلى الاستثمار العقاري مما يؤدي إلى ارتفاعات ليست متوازنة وتضخم في تكلفة المنشآت السكنية والعقارية بشكل لا يتناسب مع نمو دخل الفرد مما فيه من مخاطر اجتماعية. والمؤشرات الحالية مقلقة، خاصة مكررات محصلات الاكتتابات الأخيرة مما يؤكد أن هناك عزوفاً جزئياً عن الاكتتاب من قبل المواطنين لعدم ثقتهم بسوق الأسهم بصفة عامة.
وللاحتساب للمستقبل - في رأيي المتواضع - يجب وضع خطة عمل تشمل إدراج أدوات مالية جديدة تنقل حجم التداول إلى الصناديق الاستثمارية للحد من التأثير الكمي لقدرة مضاربي الأسهم على التأثير المباشر في أسعار بعض الشركات بصورة لا تعكس واقع الشركات ونتائجها المستقبلية. وقد تحدث الدكتور عبد الرحمن التويجري رئيس هيئة سوق المال، عن تواضع حجم الصناديق الاستثمارية بعد أن بدأت في كتابة رؤوس أقلام حول موضوعي هذا، مما يعطي دفعاً وبعداً إضافياً لتبني بعض الأفكار والأطروحات في هذا الاتجاه. وقد يكون جزء من هذه الخطة على المدى القصير تمديد ساعات التداول لإعطاء فرصة أكبر لصغار المساهمين للدخول للسوق مما لا يتعارض مع أعمالهم اليومية وأدائهم الفروض لعمل توازن مرحلي للأسهم، وكذلك عدم قبول طلبات إلغاء الشراء والبيع عشر دقائق قبل الافتتاح وبعده حتى لا يتلاعب من يريد التلاعب بأسعار الافتتاح والكميات المعروضة سواء كان بالبيع أو الشراء. ويكون الجزء الأكبر من هذه الخطة على المدى المتوسط دعم الاستثمار في صناديق الأسهم حتى يخلق توازن أكبر ويعيد الثقة بالسـوق، مثل تخصيص ما نسبته 10 إلى 25 في المائة من الاكتتابات الجديدة إلى الصناديق الاستثمارية وسط ضوابط معينة بين صناديق البنوك، كل حسب قدرته وحجمه ورغبته، وفي ذلك إعادة الثقة بصناديق الأسهم في تحسن أدائها وكفاية لتغطية الشركات الجديدة وزيادة في حجم الصناديق وقدرتها على عمل التوازن المطلوب في السوق. ولكي تكتمل عناصر نجاح هذه الخطة يجب التفكير الجدي في إدراج أدوات مالية جديدة للحد من المضاربات غير المشفوعة مثل البيع قصير الأجل وخيارات الأسهم ووضع ضوابط لذلك، والسماح للصناديق الاستثمارية باستعمال هذه الأدوات في المرحلة الأولى وتعميم تلك التجربة لاحقاً على الأفراد والشركات من المستثمرين.
وفي النهاية أعود إلى أنه يجب علينا الاحتساب للمستقبل، وأن نستثمر في بناء السوق المالية السعودية عن طريق زيادة مساهمة الصناديق الاستثمارية وعن طريق إدراج أدوات مالية جديدة لتنظيمهة وزيادة عمقها وشفافيتها حتى تعطيها المرونة والتنوع الكافي وأن نكسبها الثقة الكاملة حتى تعكس واقع الاقتصاد السعودي، وأن نستمر في بنائه وتمكينها ليصعب المساس والعبث بها.