مسرحية صكوك الغفران الهزلية .. تقارير تقييم الأداء أنموذجا
مسرحية صكوك الغفران الهزلية .. تقارير تقييم الأداء أنموذجا
يقضي نظام الشركات بتقييم أداء الموظفين سنوياً ويهدف إلى تطوير مستوى الموظف وتحسين مهاراته والوقوف على نقاط الضعف والعمل على تمتينها، وينص النظام بأن يكون سقف الشفافية عالياً، والعدل حاضراً في عملية المفاضلة بين الموظفين، حيث يعتمد معيار المفاضلة على احتساب أي إضافات أو ابتكارات أو تميز في منح النسبة المئوية المقدرة لدرجة التقييم الممنوحة التي تحتسب كعلاوة سنوية، وهذه النسبة هي القيمة المادية الاعتبارية في سلم التقييم.
وتكمن أهمية التقييم في قيمته المادية التي تلعب دوراً محورياً في عملية الترقية وراتب الموظف سواء من ناحية زيادة خانات الرقم أو من ناحية زيادة نسبة ساعات الأجر الإضافي، وكذلك الزيادة في نسبة حساب الراتب التقاعدي. وهكذا فإن تأثير التقييم هو تأثير مركب ذو أثر بعيد المدى إضافة إلى الثقل المادي والمعنوي في حياة الموظف إذا ما سلمنا بأن الذي يذهب لا يعوض وهو من محور حياة الموظف، إذاً فلا غرو أن يكون الشغل الشاغل لفكر الموظف كون عملية التقييم تمر عبر مرحلة مخاض صعبة قد لا تلد أبداً بسبب الفكر المريض لدى بعض من تولوا أمر تقييم عباد الله كون تقاريرهم تأتي هشة لا تستند على معطيات صحيحة بل تخالف صراحة معايير المفاضلة المنصوص عليها في أنظمة العمل المشرعة لمثل هذه السياسات الإجرائية، حيث أسس هذا الفكر المريض بيئات عمل نتنة بمصادقته على منح التقاييم العليا لصالح أشخاص هم منها براء لأنها منحت من ذهنيات نزيهة من النزاهة وشريفة من الشرف وبعيدة عن الشفافية وبريئة من العدل براءة الذئب من دم يوسف، فلا عجب إن اختل ميزان العدل ورجحت كفة الظلم لأصحاب الحظوة ممن يملكون ظهوراً تسند عثراتهم وتطمس إخفاقاتهم الفاضحة بل تجيرها، لهم إسهامات ناجحة وإبداعات خارقة للعادة مما يجعل هؤلاء المحظوظين ينعمون في ربيع الواسطة ويتمتعون بحصانة صكوك الغفران التي خولتهم بأن يكونون الأميز والأجدر لسنوات عديدة وأزمنة مديدة سابقة ولاحقة، وإنني لأعجب حد الدهشة من حال أولئك الممنوحين صكوك الجدارة والتميز، استنجادهم بمن هم أدنى منهم تقييماً وأعلى منهم مهارة ومهنية لكي يقوموا بأداء ما أوكل لهم من مهام فرضها الوصف الوظيفي الذي وضعوا فيه، التي هي أكبر من إمكاناتهم الحقيقية، ولو أن هناك قليلاً من الإنصاف والنظر بعين المحايد في بيئة التقييم لبانت للعيان مدى قدراتهم العملية ولانكشفت مهاراتهم المهنية الفقيرة لأدنى مقومات التميز، ولكن لا عجب فإذا كان المقيم يعلم كنه هذا المتميز الفارغة ومع ذلك يمنحه التميز والإشادة مصادرا جهود الآخرين، فهذا يعطي مؤشراً حقيقياً أن المانح يعيش فراغاً فكرياً ووظيفيا ويدور في حلقة مفرغة، حيث إنه لا يدرك ما معنى التميز ولا يستطيع قياس ميزان الإبداع ففاقد الشيء لا يعطيه.
وعليه فإن وجود مثل هذه الأوساط العملية المكهربة التي هي إفراز طبيعي للعفن الإداري المستشري في كثير من المؤسسات والمنظمات تعطل كل مقومات الإبداع بسبب وجود قيادات تعيش في عصر الأمية الإدارية وهي غير مؤهلة لقيادة دفة العمل إلى بر الأمان بل جرته إلى وحل الفساد بتغليب جانب المحسوبية والمصالح الشخصية وتحييد الاحترافية وتجاهل المهنية إن كانت تلك القيادات تعي حقيقة معاني تلك المفردات (الإبداع، والاحترافية والمهنية). وكما يقال "الشمس لا تغطى بغربال"، فالصحف اليومية توافينا يوميا بتقارير النزاهة المخجلة، وإنه لو كان هناك قليل من الإنصاف وزرعت العيون داخل بيئات العمل من قبل المتنفذين لتوصلنا إلى حقائق مزعجة في مسألة النزاهة والشفافية. وهذه رسائلي إليكم كل فيما يخصه:
تذكر يا من وليت مسؤولية أن الله لم يخلق الحياة عبثاً ولم يوجد الإنسان هملاً، بل كان الكون تحقيقاً لسنن الله في الحياة التي أقام عليها أمر الوجود، قال تعالى: "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً"، وأنك بين جنة ونار وأن الدنيا هي محطة إلى رحلة أبدية فلا تخسر آخرتك الأبدية بدنياك الفانية، كن شجاعاً إذا كنت دون المسؤولية واعتذر تنل شرف الدنيا وخير الآخرة. قبل اتخاذ قرارك أجب على الأسئلة التالية:
أين أنت من قوله تعالى: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها".
وما موقفك من قوله ـــ صلى الله عليه وسلم ــــ: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه: ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به" رواه مسلم.
وبماذا ستجيب على قوله تعالى: (وقفوهم إنهم مسؤولون).
أما أولئك الممنوحون صكوك ملكية التميز فإن دوام الحال من المحال ولا بد من يوم تسقط فيه الأقنعة وينكشف المستور وأتمنى أن يكون هذا السقوط قبل خراب مالطا كما يقال حرصاً على الصالح العام. ولتعلموا أن قداستكم التي ارتقت إلى درجة العصمة لا شك أنها يوماً ما إلى زوال. أيها المسلوبون لا تخافوا ولا تحزنوا ولا تحبطوا فهذا ما يريدونها منكم فأنتم المتميزون حقاً، وكونوا كما قال الله تعالى: "واعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون". ألا يكفيكم أن يكون الله معكم، قال تعالى: "إن الله مع الصابرين"، وهذه الممارسات في إحباط الموظفين الأكفاء هي حيلة مكشوفة ترمي إلى إحباطهم عن حيادهم وتهميش دورهم، وهي في الحقيقة ترجمة حقيقية لنفسية مريضة عجز تفكيرها عن استيعاب تطور هذه الحقبة الزمنية المتطورة والمتسارعة تقنياً ومعرفياً.
قاوموا هذا الاغتيال المعنوي والروتين السنوي العبثي الممنهج بأيدي أولئك الذين يرفضون النهج المهني الذي يغوص في العمق ويصرون على البقاء قريباً من السطح أو القشور الذي جعل الموظف فاقداً للثقة بأصحاب القرار في عمليتي التقييم والترقية، لا سيما وأنتم تعيشون في دائرة الخطر وتنـزلون ضيوفاً في نهاية نفق التقييم واستحقاق الترقية ويكتفى برمي فتات موائد عشاء الاجتماعات السرية، أو كما هو متعارف عليه ما يدار تحت الطاولة لكم، ليس كرماً وإنما زهداً في ذاك الفتات.
ولعلي أختم مقالي هذا ببيت شعر أسلي به الخاطر يقول :
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي