المشاريع الصغيرة والتدفقات المالية
يعتبر تحليل قائمة التدفقات المالية cash flow أهم عنصر في التحليل المالي لقياس أداء الشركات، لأنه يعكس بشكل حقيقي فاعلية الإدارة لأي شركة، فقد تعكس قائمة الدخل income statement أرباحا عالية لأي شركة، ولكن قد تكون أرباحا على ورق فقط، بينما لا يوجد رصيد نقدي حر يعكس هذه الأرباح أو جزء منها. نعم ربما يتكرر أن يكون هناك رصيد نقدي حر سالب في عام أو عامين متتاليين نتيجة لزيادة استثمارات الشركة، لكن قد يستمر هذا الرصيد السالب لأكثر من ثلاثة أعوام، مما يؤثر بشكل كبير على ربحية الشركة الحقيقية ووفائها بالتزاماتها.
هذه المشكلة تؤثر بشكل أكبر في المشاريع الصغيرة أو الناشئة، لضعف موقفها الائتماني وعدم قدرتها على الاقتراض، ومواجهتها مشاكل كثيرة في السنوات الأولى، إضافة إلى الجهل أو الخلط بين قائمة الدخل وقائمة التدفقات النقدية، مما يجبر كثيرا من أصحاب هذه المشاريع للخروج من السوق خلال السنوات الخمس الأولى للمشروع. وتعتبر مراكز الدراسات أن نسبة الفشل في المشاريع الناشئة ترتفع إلى 50 في المائة في السنوات الثلاث الأولى، وتنخفض هذه النسبة كلما مضى الوقت وأثبت المشروع جدواه على الأرض، ويعتبر سبب سوء إدارة التدفقات النقدية سببا رئيسا في هذا الفشل.
ويمكن تقليل مخاطر حساسية التدفقات النقدية عبر عدة أمور، الأمر الأول هو حساب التدفقات النقدية الحقيقية لكل شهر على حدة، وحساب رصيد النقد المتراكم لشهر بعد شهر، واختبارها بعد دفع كل مصروف حقيقي، وهل تكفي فعلا لدفع ما علينا دفعه في وقته. وهنا لا بد من الانتباه لرصيد التدفقات النقدية الحرة المتراكم، لنكون على علم ودراية بالأوقات التي قد نعاني فيها تدني الأرصدة النقدية أو انعدامها.
أيضا، يتجه كثير من أصحاب المشاريع الناشئة للتوسع في المشروع وعملياته في السنوات الأولى، لتفاؤلهم أو للطلب المتزايد على منتجاتهم أو خدماتهم، فيقومون بإعادة استثمار الرصيد النقدي الحر على أمل تضاعفه في الأشهر الثلاثة التالية لهذا التوسع، ولكن ما يحصل في معظم الأحيان هو العكس، إما نتيجة للخبرة المتدنية في إدارة التدفقات النقدية، وإما للتقييم غير الواقعي لحجم المشروع.
الأمر الأخير الذي تجدر الإشارة إليه من أخطاء إدارة النفقات النقدية هو التسرع بالبيع الآجل رغبة في زيادة المبيعات، على حساب الالتزامات المالية الشهرية، فأي تأخر في السداد من قبل العملاء سيؤثر بشكل كبير في الوفاء بالالتزامات الثابتة. ومن أفضل الطرق لتجاوز هذه المعضلة، تقسيم المبيعات إلى 40 في المائة آجل و60 في المائة كاش، ليتمكن المشروع من تسيير المصاريف الثابتة، والاستفادة من البيع الآجل، ولا ننسى أن نشير إلى ضرورة تعيين مخصص للديون المعدومة بنسبة 10 في المائة من الديون.