بوصلة الاستثمار .. إلى الاتجاه الصحيح

عمر ليس بالقصير، هذا الذي استنفدته الهيئة العامة للاستثمار والذي كان الغرض من إنشائها في الأساس، جذب الاستثمارات الأجنبية إلى جانب تشجيع الاستثمار الوطني.
غير أن التجربة في السنوات الماضية، لم تسفر عن متحققات على أرض الواقع على مقاس التطلعات التي عقدت الآمال على وجود استثماري، له وزنه النوعي في الاستثمارين الأجنبي والوطني، رغم كل التشريعات التي سنت لتسهيل جذبهما والحوافز التي قدمت لدعمها .. بل إن حصاد التجربة فتح الباب لعلتين كانتا على الدوام مثار النقاش والاعتراض على ما تسببتا فيه من سلبيات أضرت بالحراك الاستثماري بمنشآته الوطنية الصغيرة والمتوسطة والكبرى في مزاحمتها بالأجنبي، الذي اقتطع حصة من عوائدها السابقة في مجالات يفترض ألا يكون له فيها منافس ولا تعطى لغيره فيها فرصة أو ترخيص، مثلما كان الضرر بادياً للعيان في تحول التراخيص إلى بوابة لجيش من العمالة الوافدة فاقمت ملايين العمالة التي جاءت عن طريق الاستقدام في وزارة العمل، محتلة فرص عمل على حساب المواطنين، علاوة على استهلاك الخدمات والبنية الأساسية وفوقها التحويلات للخارج بمليارات الريالات، ناهيك عن الجنح والمخالفات القانونية.
هذا يعني أن معظم ما سبق من الاستثمار صار إلى ما هو خفيف الوزن أو ما هو شكلي أو ما هو مقاولاتي أو ترفيهي، إلى جانب مدن اقتصادية كان الطبل والزمر حولها عالياً، ثم تكشف الاستثمار فيها عن مخططات وأرقام في حبر على ورق وخسائر، وقليل من الإنشاءات مقدم على الأساسيات وتبخرت وعود آلاف الوظائف وتحقيق التنافسية في فضاء العقود، وفي زخرف مؤتمرات التنافسية ولا غير.
اليوم يحدثنا محافظ الهيئة العامة للاستثمار الجديد المهندس عبد اللطيف العثمان في تصريحه لـ ''الاقتصادية''، حديث إعادة المياه إلى مجاريها .. أو إعادة المجاري إلى مياهها .. أي أنه يعيد بوصلة الاستثمار إلى الاتجاه الصحيح .. بكلمات واضحة محددة صارمة كانت مما سال من أجلها حبر كثير بأقلام الكتاب أو مما تحدثت عنها بصوت عال ألسنة الإعلاميين والمختصين .. ونحسبها له فضيلة نقدرها ونسعد لسماعها لكونه كشف من خلالها عن تشكيل لجنة فنية متخصصة لتطوير إجراءات الاستثمار وتسهيل دخول الاستثمارات في قطاعات واعدة، توفر مزيداً من الوظائف وترفع حصة المشتريات المحلية وتسهم في توطين التقنية، وأن العمل يجري حالياً وفق مسارين، يهتم الأول بإزالة العوائق التي تحول دون جذب الاستثمارات النوعية، أما الآخر فيهتم بمعالجة الثغرات التي يمكن استغلالها للحصول على تراخيص استثمارية لأغراض لا علاقة لها بالاستثمارات النوعية.
أجل .. هذا هو تماماً جوهر هدف الجذب الاستثماري .. أن يكون نوعياً وأن يوطن التقنية وأن يكون باب التراخيص ''فلتراً'' لا يعبر منه إلا ما له تلك الخصائص وأن يكون مصدرا لقوة شرائية لمنتجاتنا المحلية.. وهي خصائص تمثل مصدر القيمة المضافة لاقتصاد الوطن ومصدر الخبرة والميكنة وتوطين التقنية ومصدر فرص العمل المنتج، كما هي أيضاً مصدر شحن الاستثمار الوطني بالحماس للإفادة من منهجية أداء الاستثمار الأجنبي ومحتواه المعرفي والتقني، وبما يكرس عملياً اندفاعاً صحياً للتنافسية عبر الارتقاء التقني بالمنشآت الوطنية الخاصة لتعظيم كفاءتها الإنتاجية، ويكرس في الوقت نفسه مبادرات نوعية أخرى يقوم بها قطاعنا الخاص لها الوزن النوعي الأجنبي، سواء في النشاط ذاته أو في نشاطات جديدة خلاقة .. ليصبح الحراك الاستثماري حراكا لا يطغى فيه الهش والهزيل والطفيلي على النوعي .. وإنما يطرد الجيد منه الرديء مثلما تتحقق السعودة عرقا لا ورقا!
وإذا كان هذا هو المسار الذي يبشرنا محافظ الهيئة بالمضي فيه وعلى أساسه - وهو مسار يصب في هدف تنويع القاعدة الاقتصادية الوطنية حقاً - فإننا نتطلع إلى أن تتخذ الهيئة في الوقت نفسه إجراء موازيا حازماً يستهدف تنظيف البيئة الاستثمارية الوطنية من غثاء ما تقاطر من النطيحة والمتردية وما ترك السبع من هزيل الاستثمار وطفيليه الذي أسهم في ''تطفيش'' منشآت وطنية وليدة من ناحية وزحم السوق بعمالة تسد منافذ فرص العمل على المواطن من ناحية أخرى، فضلاً عن مال نخسره مهرولاً للخارج... وبالجملة... تعويقاً لاستثمار رفيع يستحقه وطننا بعقول وأيادي أبنائه أو بأجنبي يضيف ولا يخيف!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي