فساد القانون

وضع القانون مثل تنفيذه، يتأثر بذهنية المشرعين والمنفذين، وبالثقافة السائدة وعوامل الضغط الأخرى في بيئتهم الاجتماعية. بعض الناس متشدد بطبعه، ميال إلى الشك والارتياب. فإذا كان واضع القانون أو منفذه شخصا من هذا النوع، فيا ويل الناس ويا سواد ليلهم. وفي ظروف التأزم والشدة يميل الناس إلى التشدد، وفي ظروف الرخاء يميلون إلى اللين، فتحمل قوانينهم هذه السمة أو تلك.
بكلام إجمالي، يمكننا العثور على ثلاث ''ذهنيات'' تؤثر في وضع القانون:
1- ذهنية تميل إلى التسهيل على الناس، فتنتج قانونا يمكن الناس من حقوقهم وزيادة مكاسبهم ويسهل أمورهم.
2- ذهنية تميل إلى الرقابة والتسلط، فتنتج قانونا يتمحور حول إخضاع الناس جميعا لرقابة الدولة وانضباطهم في إطار مقرراتها.
3- ذهنية تميل للردع، فتنتج قانونا يتمحور حول تضييق السبل على الناس، كي لا يحصل الجناة منهم على منفذ.
في النظر السطحي تبدو هذه التوجهات شيئا واحدا. بل ربما قيل إن كل قانون يتضمن في الغالب شيئا من هذا وشيئا من ذاك.
لكن التأمل الدقيق يكشف أن المشكل الرئيس هو اختلال التوازن بين التوجهات الثلاثة. القانون الذي يستهدف تمكين الناس من حقوقهم، قد يتحول ـــ عفوا أو قصدا ـــ إلى قانون ردعي، أو ينقلب إلى تشريع للهيمنة على حياة الناس. وأذكر للمناسبة جدلا استمر ثلاث سنوات في بريطانيا، حين اقترح وزير داخليتها الأسبق، تشريعا يلزم المواطنين بحمل هوية شخصية. فثارت ثائرة السياسيين والصحافة والأحزاب التي احتجت بأن احتفاظ الدولة بمعلومات تفصيلية عن حياة الناس، ربما يمكنها من قهرهم لو أرادت. وقد تقرر في نهاية المطاف طرح المشروع للنقاش العلني بضع سنين قبل مراجعته في البرلمان.
هذا الجدل يشير إلى تخوف حقيقي عند بعض الناس، حتى في البلدان المتقدمة والديمقراطية، فضلا عن غيرها. لكن ثمة علاج يعين على درء احتمالات فساد القانون، ألخصه في ثلاثة بنود:
1- قصر صلاحية وضع القانون على هيئات متخصصة، تضمن النقاش العلني بين عدد كبير من المشرعين، مثل مجلس الشورى أو البرلمان. وألا يسمح لفرد واحد أو عدد قليل بوضع القوانين.
2- أن يطرح مشروع القانون للرأي العام لمناقشته قبل طرحه الرسمي في الهيئة المختصة.
3- أن يسمح للمدعين بالحق العام أو الشخصي بالادعاء أمام القضاء مطالبين بتعطيل القانون ككل أو بعض بنوده أو حماية أشخاصهم من تطبيقه.
هذه وسائل ثلاث يمكن معها ضمان عدم انقلاب القوانين، أو عدم خضوعها للمزاج الشخصي لواضعيها أو منفذيها. القانون في الأصل تعبير عن الإرادة العامة، فلا يصح أن يتحول إلى أداة لقهر أصحابها، أي عامة الناس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي