خطة العمل .. والاخفاقات الثلاثة

خطة العمل .. والاخفاقات الثلاثة

خطة العمل .. والاخفاقات الثلاثة

قبل أن أدلف الى موضوع هذا المقال، أود أن اورد تعريفا مقتضبا لنموذج العمل. يعرّف أحد ابرز خبراء التخطيط الاستراتيجي والتنافسية حول العالم -إن لم يكن ابرزهم على الاطلاق - البروفيسور مايكل بورتر الأستاذ في جامعة هارفرد نموذج العمل بأنه الأسلوب الذي تتبعه الشركة عند مزاولة أنشطتها التجارية لتوليد العوائد. ويمكن أن يكون نموذج العمل بسيط أو بالغ التعقيد. فعلى سبيل المثال، فإن نموذج عمل المطعم يقوم على توليد العائد المالي من خلال طهي الطعام وبيعه لعملاء جائعين. في حين أن نموذج العمل لموقع الكتروني مثل تويتر قد لا يكون واضحا منذ الوهلة الاولى؛ بحيث أنه تتوافر طرق عديدة يكمن لتويتر من خلالها أن يولد عوائده المالية.
يخطئ مؤسسوا الاعمال عندما يبدؤون بالاعتقاد بأن خطة عملهم ستتجسد واقعاً ينبض بالحياة تماماً كما كتبت. وينصح خبير ريادة الاعمال اليكسندر اوستيروالدر رواد الاعمال أن يحرقوا خطة عملهم – فهي ببساطة تشكل خطر داهم على صحة عملهم التجاري على حد وصفه. إن الايمان بها لا يعدو أن يكون ضربا من الوهم، ويرجع ذلك إلى أنه – وأقتبس هنا القول عن ستيف بلانك أستاذ ريادة الاعمال وتطوير العملاء في جامعتي ستانفورد وكولمبيا- "لا يوجد خطة عمل تنجو من أول لقاء لها مع العملاء."
يشدد العديد من رواد الاعمال والمستثمرين المحنكين على أنه مهما بذل مؤسس العمل التجاري من جهد في دراسة شركته، فإن واقع السوق سيظل دوماً خلاف النتائج التي ستخلص اليها الدراسة. في الحقيقة، لقد تعلم عدد غير قليل من الفائزين بجوائز اعداد أفضل خطط الاعمال هذه الحقيقة بالطريقة الصعبة بعدما اذعنت خططهم -المجازة - لقوى السوق.
وبناء على ما تقدم، فإننا بحاجة أكثر من أي وقت مضى الى منهجية أكثر فعالية لريادة الاعمال من حاجتنا الى خطة عمل ثابتة تحدد مصير العمل الناشئ. إنها منهجية تعلّم تؤكد على أهمية إخضاع أفكار الاعمال التجارية لاختبار الجهد مع القوى الحقيقية في السوق مثل العرض والطلب، ويتم ذلك عبر الانتقال من الخظة أ، الى الخطة ب، ثم الخطة ج ودواليك، وذلك يكفل اختبار السوق بسرعة متناهية وبتكلفة متدنية في نفس الوقت حتى يتم اثبات جدوى الفكرة من عدمها ومدى قابليتها لتحقيق الارباح.
بعد ان اتضح لنا ضرورة حرق خطة العمل- فماذا يلي ذلك؟ إن المطمئن في هذا الصدد هو اننا استنتجنا كيف ان لاستبدال عملية "تطبيق خطة العمل بحذافيرها" كما كتبت بعملية أخرى أكثر أعتمادية مثل "اختبار قوى السوق" يقود الى نتائج أفضل. إن عملية اختبار قوى السوق تدعم البحث عن نموذج عمل مجدي ومربح من خلال دمج ثلاث منهجيات مختلفة في مزيج واحد فعال- و في قادم الايام ان شاء الله سأفرد لكل منهجية منها مقالاً يتناولها بالتفصيل على حدة. المنهجية الأولى تعتمد تصميم نموذج عمل قائم على أداة "مظلة نموذج العمل" التي طورها خبير ريادة الاعمال اليكسندر اوستيروالدر. وتقوم المنهجية الثانية لستيف بلانك على اختبار نموذج العمل باستخدام "منهجية تطوير العملاء". أما الثالثة فهي النمذجة السريعة باستخدام منهجية "الاعمال الناشئة التقشفية" للمؤلف ورائد الاعمال اريك ريس. إن العديد من رواد الاعمال حول العالم يطبقون بالفعل هذا المزيج المنهجي بنجاح مبهر، كما انهم يحرصون على تفادي ثلاث أخفاقات شائعة.
يعتبر اكثر الاخفاقات الثلاثة شيوعا هو التمسك بالفكرة الاولى للعمل التجاري دون تمحيص البدائل الاخرى. يمكن لنفس المنتج أو الخدمة ان تنجح أو تفشل تبعاً لنموذج العمل الذي تم اختياره. وتعتبر عملية استكشاف الاحتمالات مسألة بالغة الاهمية للتعرف على نموذج العمل الانجح. من جهة أخرى، فإن الاستقرار على الافكار الاولية التي يفكر بها رائد الاعمال يعرض لخطر تفويت فرصة مجدية لا يمكن التعرف عليها بدون النمذجة واختبار البدائل المختلفة.
ويمثل عدم الاصغاء للعملاء ودراسة انطباعاتهم ثاني اكثر الاخفاقات شيوعا. إن من الاهمية بمكان ان يتواصل أي مؤسس عمل حصيف مع العملاء بنفس القدر من الاهتمام الذي يكرسه عند بحثه افكاره الخاصة لعمله التجاري. لطالما تحلى رواد الاعمال الناجحين بمهارة الاصغاء وبملَكة تحديد الانماط ورصد التفاصيل الصغيرة في أي حديث لهم مع عملائهم. على سبيل المثال، يقرأ رائد الاعمال الذي يتمتع بمهارة اصغاء فعالة ما بين السطور في كل حديث يجريه مع العملاء بحيث ينجح بقراءة ما "يريده" العميل، وذلك من خلال فهم "المهمة" التي يحاول العميل انجازها، بالاضافة الى "المعضلة" التي يسعى للتخلص منها، و"الفائدة" التي يحاول تحقيقها بشراء المنتج او الخدمة.
أما عدم اجراء اختبارات وافية لأفكار، ونموذج العمل التجاري، فتلك ثالثة الاثافي. حالما يشكل رائد الاعمال تصورا حول المهمة، والمعضلة، والفائدة التي يسعى العميل ورائها، فيتوجب عليه ان يتأكد من أن ما تعلمه من أحاديثه مع العملاء هو في الواقع "حقيقي". السيف أصدق انباء من الكتب. المقصد هو أن الافعال أبلغ من الكلمات، فهناك فرق شاسع بين ما يقول الناس وما يفعلون، إذ إن من الوارد أن يعبر بعض العملاء عن بالغ اهتمامهم بالمنتج الجديد الذي يحاول رائد الاعمال بيعه، ولكن حينما يهمون بالشراء فإن سلوكهم قد يكون خلاف ما قالوه تماما بحيث يفضلون شراء منتج آخر منافس.
يمثل نموذج العمل المبني على فكرة المظلة التي اقترحها اوستيروالدر أداة فعالة تهيئ لتصميم نماذج عمل أفضل وأكثر ربحية. وعلى الرغم من ذلك، فإن عدم دمجها مع عملية اختبار نموذج العمل لقوى السوق يجعل منها ثابتة بنفس قدر ثبات خطة العمل، وهذا تماما ما نحاول أن نحول دون حدوثه. قد يرفض السوق حتى أفضل التصاميم لنماذج الاعمال اذا لم يتم اخضاعها لاختبار الجهد مع قوى السوق.
ختاماً، بعد أن تبين لنا كيف تعمل كل هذه المبادئ، فلا مناص من أن يجعل رائد الاعمال الفرضية التي تقوم عليها مظلة نموذج عمله واضحة، وان يختبر اهم فرضيات مظلة نموذج عمله مع العملاء وشركاء العمل ويدمج ما تعلمه في تصميم نموذج عمل جديد. ولا مناص أيضا من تكرار هذه العملية حتى يتم التوصل الى النجاح المنشود. إن الادوات والعمليات التي توفر بدائل لكتابة خطة العمل موجودة، وكل ما يتحتم على رواد الاعمال فعله هو ان يستعملوها. ولعله من نافلة القول أن أشدد على ضرورة العمل على تفادي الوقوع في مصيدة الاخفاقات الثلاثة الاكثر شيوعا.

الأكثر قراءة