منتدى الطاقة .. هل يحرك نظرتنا إلى الرؤية المستقبلية للوطن؟

[email protected]

فعاليات مركزة ومتتابعة نشهدها هذه الأيام عن أهمية الطاقة بدءا من منتدى الأسبوع الماضي عن الطاقة وتجمع مدن الطاقة في المنطقة الشرقية, وكذلك التجمع الذي تقوده شركة أرامكو السعودية لتجمع كبريات شركات النفط العالمية (ومع الأسف دولة الطاقة ليس فيها إلا شركة واحدة) في الشيبة. وتبرع الملك عبد الله بمبلغ 36 مليون ريال لدعم تقنية النانو(التقنية متناهية الصغر), الذي يجب أن يتبعه تكرم بعض الشركات ورجال الأعمال بالتبرعات للجامعات لبحوث تقنية الطاقة وبناء المراكز المعرفية للطاقة. وهي تصب في موضوع سابق طرحته هذه الصفحة عن مفهوم الرؤية المستقبلية لبلدنا: هل نستمر على دولة الإنسانية أم نكون أكثر تخصصاَ ونكون دولة الطاقة وأهلها؟ ولعلنا نرى الكثير من تلك المنتديات وإن تحولت إلى أكبر مؤتمر عالمي للطاقة نعرف به, وأن تتبعها مؤتمرات متعددة تخصص كل منها لنوع معين من الطاقة وتقنياتها سواء النفطية أو النووية, وأن تقام شهرياَ وبتناوب علمي ومحلي, وأن تتنوع مواضيعها ومحاورها. فجميل أن نتميز ونختص بأن نكون أهل الطاقة وأن يشار إلينا عالمياَ بذلك. وهذا وحده بالطبع لا يكفي, حيث لا بد لنا من التخطيط المسبق ومن الآن لتنمية المجتمع السعودي وتوعيته للسير في خطى واضحة ومنحى مدروس لنصبح خبراء الطاقة وتقنيتها. وأن يشار إلينا بالبنان في هذا المجال. وأن تصبح جامعاتنا ومؤسساتنا وشركاتنا مقصداَ للأجانب ليتعلموا منا!
وهذه الفعاليات تدعونا إلى مراجعة ملخص الرؤية المستقبلية الذي أعدته وزارة التخطيط والاقتصاد الوطني. الذي جاء بعد وقت وعناء طويلين ليضع صورة شكلية وقشورا أو ديباجة يكررها الجميع, حيث يشير التقرير إلى أن رؤيتنا الوطنية هي أن نصبح دولة مزدهرة اقتصادياَ واجتماعياَ ويسودها الاستقرار. وهي رؤية عامة وكلام للاستهلاك العام وينقصها التركيز والتخصيص والتميز.
إن مثل هذه الفعاليات تدعونا إلى التفكير مرة أخرى في وضع تصورنا للرؤية المستقبلية وأنه من الأفضل أن نقترح ما نحلم أن تكون رؤيتنا المستقبلية ثم نحاول أن نصل إليها، سعياَ في ذلك وراء التجارب العالمية والواقعية التي تحتم علينا أن نعرف مَن نحن وماذا لدينا من مقومات وإمكانيات يمكن صقلها لمعرفة ما هي صالحة له ومن ثم نتوجه إلى ذلك! مع محاولة إعادة الحسابات والخطط دوريا وتعديل الوضع لتتمشى الرؤية مع المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية دولياَ ومحلياَ. وفي كلتا الحالتين فإن الفرق بين الرؤية والحلم أن الرؤية يمكن تحقيقها ولكن الحلم يبقى حلما. وهما اتجاهان مختلفان عن الأسماء العامة مثل دولة الإنسانية أو الشهامة أو العز، التي هي قيم مسلم بها ومفروضة علينا، وهي جزء من ديننا وعقيدتنا . فدولة الإنسانية أو الشهامة أو الكرم ليست ملكاً لنا وإنما الجميع يرى أن دولته دولة الإنسانية, لذلك وجب التميز.
فهل يعقل أن نكون أكبر دولة مصدّرة للنفط في العالم ولا نسمع عندما يكتشف وجود نفط أو غاز في أي مكان في العالم أن نكون أول من يدعى للاستشارة؟ إن الطفرة الأخيرة للنفط تحتم علينا أن نتحسب لبناء الصناعة والمعرفية التقنية كمهنة نعرف بها حتى ولو نضب النفط. فالنفط يذهب والمال يذهب ولكن المهنة تبقى.
فنحن أهم الدول المصدّرة للنفط في العالم، ومع ذلك فإننا قد نكون أجهلهم معرفة بالنفط ومشتقاته من البنزين المرصص أو الخالي منه وأنواعه من الخفيف إلى الثقيل. فهل هذا من المعقول؟! دولة النفط التي من المفروض أن يشار إلى شعبها بالخبرة والسبق في البحث والتنقيب عن النفط وتكريره, التي يجب أن يكون لديها من القدرات والمهارات والتأهيل لمواطنيها في هذا المجال ما يسد حاجة العالم. وأن تكون السعودة والتدريب والمحفزات فقط لهذا المجال.
إن حجم الثروة النفطية في المملكة يحتم علينا أن تكون هناك أكثر من شركة أرامكو السعودية, وأن تخصص وتطرح شركات أخرى في هندسة الطاقة والنفط وتكريره وتصنيعه وتحويله إلى المنتجات الطرفية، مثل زيوت المحركات وأنواع الوقود المختلفة وتسويقها ونقلها, وتكوين شركات تُدار بكوادر سعودية للبحث عن النفط والتنقيب وغيره. وأن يكون لدينا أكثر من مركز ومعهد وجامعة بترول ومعادن. فمن يسمع باسم جامعة الملك فهد للبترول والمعادن يعتقد أن هدفها تأهيل مواطنينا لهذه المهنة، ولكن الكلية وإن كان لديها مركز أبحاث ومعلومات للنفط، إلا أنها غلبت عليها تخصصات أخرى، وبحيث أصبح مجال تعليم البترول فيها لا يذكر ولا يتناسب مع حجم ثروتنا النفطية.
هل غاب عن الوزارة آخر التجارب العالمية للدول التي هي قريبة من وضعنا وما تصيغه من الأسماء للرؤية المستقبلية؟ حيث بدأت سنغافورة باسم الفريدة Uniqely Singapore لجذب الاستثمارات الأجنبية، مثل شركات تكنولوجيا الحاسوب وشبه الموصلات، شركة آي بي إم، و"دل" و"إنتل". ثم برزت المنافسة من ماليزيا باسم "آسيا الحقيقة"Truly Asia , بينما رأت تايلاند أنها مختلفة، وأن مقوماتها للتنافس الصناعي صعبة ولكن لديها السياحة، فحاولت أن تكمل الحلقة لتسمي نفسها "السعادة على الأرض"Happyiness on Earth، حيث أصبح سكان سنغافورة وماليزيا يهربون إليها في الأعياد والإجازات. (وهو شبه ما تقوم به حكومة دبي في الشرق الأوسط، وإن كانت تحلم أن تكون سنغافورة الشرق الأوسط!). والشاهد أن بعض هذه الأسماء ساعد على تحقيق بعض النجاح حتى انتهت بانهيار النمور الآسيوية والتدهور الذي أصابها, الذي كان جزء منه تضافر جهود الدول الأخرى لاستغلالهم وإيقاعهم في شباكها التمويلية في غياب وعي تلك الدول إلى ضرورة إعادة النظر دورياً لمسارها ورؤيتها.
وما يستفاد من تلك التجارب هو أن صياغة الرؤية المستقبلية لدينا غير واضحة أو مرتبطة بالتنمية الإقليمية والاستراتيجية والتنمية المتزنة والمستدامة, وأن نجاحها لن يتم إلا بتوعية المواطن وبعض المسؤولين حضارياً لوضع رؤية مستقبلية مبنية على أسس وخطط وبدائل استراتيجية للنمو المستقبلي لكل حقبة زمنية قادمة، يكون لكل منها اسم نصبو إليه يعكس الأهداف المرجوة لتلك الحقبة.
ولننظر إلى أهمية بث روح العمل فينا وفي أبنائنا. لقد مسحت معظم دول أوروبا عن الأرض بعد الحربين العالميتين (1940م). ولكن الشعب الألماني وبميزانية عاجزة استطاع وحده وخلال أقل من 70 عاماَ أن يصل إلى ما هو عليه الآن من قوة صناعية هي الأولى في أوروبا والرابعة عالمياَ.
لذلك فإن وضع تصور للرؤية المستقبلية لن يتم إلا بعد تضافر ثلاثة عوامل أساسية وهي:
المواطن، المقومات والموارد، ثم قاعدة المعلومات والبحث العلمي.
المواطن: فهل لدينا قوى عاملة نستطيع أن نعتمد عليها لتحقيق الرؤية؟ وما مدى إنتاجيته؟ فهو أساس تحقيق الرؤية والمستفيد الأساسي منها.
المقومات والموارد
أهم مواردنا هي الطاقة: النفط والغاز والموارد الأخرى، مثل النخيل والتمور كغذاء ومصدر للطاقة، وإمكانية الاستفادة من الرمال في صناعة السليكون والصفائح للطاقة الشمسية والإلكترونية.
قاعدة المعلومات والبحث العلمي
أهمية الإحصاءات والبحث العلمي وتوحيدها أو وجود قاعدة معلومات دقيقة عن السكان كأساس لأي رؤية عملية تخطيطية وعماد الاقتصاد.
وهذه العوامل الثلاثة تعمل تحت ما نحن نفتقد إليه، وهو ضرورة وجود نظام سياسي واجتماعي وقانوني تشريعي شامل متكامل ومترابط (العمود الفقري للدولة ودستورها الشرعي) له مؤشرات اجتماعية وسياسية واقتصادية يمكننا من قراءة الرؤية للاقتصاد الوطني والقدرة على فهم التغيرات التي تؤثر فيه. ويوفر له الحماية القانونية الصارمة على القوي والضعيف وبشفافية واضحة, ويضمن للدولة هيبتها, الذي بدوره يعزز ثقة المستثمرين الوطنيين والأجانب للاستثمار في هذا البلد.
تحقيق الرؤية يعتمد كثيراً على نظرية العمل الكادح وزرع ذلك في نفوس أبنائنا لخلق مخزون القوى العاملة المؤهلة لدينا. فبدلا مما نقوم به من تدليلهم واعتمادهم علينا لشراء السيارات وتزويجهم أن نعلمهم الكد والعمل. فمعظم دول العالم تطرد أولادها من البيت بعد سن البلوغ ليعملوا ويعتمدوا على أنفسهم, إن ذلك مطلب وطني وليس خياراً لنا.
ومما يتضح لي من قراءتي المعطيات الحالية فإنني أرى أن الرؤية المستقبلية لنا أقرب ما تكون إلى "تقنية الطاقة". ولكن مثل هذا الاسم يجب أن يمحص وأن يختبر بعد عمل دراسة مستفيضة مبنية على العوامل الثلاثة.
ولتحقيق هذه الرؤية فإنه يجب أن نتحول وفق خطة مدروسة دولةَ وشعباً إلى دولة تقنية الطاقة. لتكون هي شعارنا ومسارنا الذي يجب أن نسلكه لنصبح دولة يُشار إليها عند بروز أية مشكلة تتعلق بذلك لنصدر الطاقة والمعرفة بها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي