«الرواشين».. طراز عمراني حجازي وخليط عثماني فارسي
ما زال يقف التاريخ بإطلالته أمام ''الرواشين'' التي كانت وما زالت تمثل أصالة الزمان والمكان للطراز المعماري الحجازي القديم في مدينة جدة عروس البحر الأحمر، وأصبحت إحدى السمات المعمارية البارزة فيها، خاصة في الأحياء القديمة منها التي امتزجت عمارتها بخليط من الثقافات العربية والعثمانية والفارسية، بسبب موقعها الجغرافي الذي جعلها بوابة للحرمين الشريفين.
المتجول بين جنبات أحياء منطقة جدة التاريخية، سيتعرف على صناعة ''الرواشين'' والإرث الحضاري الذي تميزت به، في ظل عودة دائرة الاهتمام في بعض مدن المملكة إلى هذا الطراز المعماري الذي انحسرت صناعته، بسبب تأثير الحياة المعاصرة التي جلبت تصاميم حديثه في البناء والعمارة، أغنت عن الحاجة إلى استخدام الرواشين الحجازية التراثية.
وفي ذلك السياق، أوضح المدير التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والآثار في منطقة مكة المكرمة محمد العمري لـ''واس''، أن الزائر لجدة التاريخية، سيكون على موعد للسفر نحو أعماق التاريخ، التاريخ الذي كان قد تعمّق منذ بواكير الصبا، حيث يقف بإطلالته المهيبة من أمام ''الرواشين'' التي كانت وما زالت تمثل أصالة الزمان والمكان للطرز المعمارية التي يمتزج فيها خليط من الثقافات العربية والعثمانية والفارسية، بسبب موقعها الحيوي كبوابة للحرمين الشريفين.
وأكد أن ''الرواشين'' كانت في السابق جزءا أصيلا في المنازل في جدة ولا يكاد يستغنى عنها في أي منزل، بسبب ميزاتها العديدة وتمثيلها لأصالة الزمان والمكان، مشيرا إلى أن هذه الرواشين تعتبر نوافذ خشبية تنسجم مع البيئة المحلية في تلك الأزمنة، و''الرواشين'' لغة مفردها ''روشان'' و''روشن'' وهو لفظ معرب عن الكلمة الفارسية ''روزن'' التي تعني الكوة أو النافذة أو الشرفة.. يرادفها في مصر والشام ''المشربيات'' ومفردها ''مشربية'' وهي الغرفة العالية أو المكان الذي يشرب منه حيث توضع أواني الشرب الفخارية ''القلل أو البرادية'' لتبريد المياه بداخلها، بينما في العراق يرادفها ''الشناشيل'' وجمعها ''شنشول''.
وذكر العمري أن صناعة ''الرواشين'' عرفت في جدة بحسب المصادر التاريخية في أواخر القرن السادس الهجري على الأرجح وصارت طابعا مميزا لعمارة المدينة منذ منتصف القرن السابع الهجري، وتتميز ''رواشين'' جدة عن مرادفاتها في العالم الإسلامي بأنها الأكثر ارتفاعا والأكبر حجما وهي تركب في صفوف متراصة، وكثيرا ما تمتد وتتواصل من الطابق الأرضي وحتى الأدوار العليا أو تمتد أفقيا حول الأدوار العليا فتكاد تغطي واجهة المنزل بأكملها.
وبين أن ''الرواشين'' بوجه عام هي وحدات تصميمية جمالية تبرز عن سمت جدران المباني وتطل على الشارع أو على الفناء الأوسط، وتستند على دعائم ناتئة ''كوابل'' من الخشب وتظهر فيها مهارات النجارين من خلال المشغولات الخشبية للقطاعات المتشابكة والطنف والأفاريز المائلة ومصارع النوافذ وغالبا ما تكون مزودة بشيش يتألف من ستائر شبكية صغيرة.
من جانبه صنف رئيس بلدية جدة التاريخية المهندس سامي بن صالح نوار ''رواشين جدة'' التي تتسم بالكثرة والتباين الجمالي ضمن ستة أنماط أساسية، النمط الأول: وهو عبارة عن بروز بسيطة عن الجدار على هيئة صندوق يمتد عادة من الطابق العلوي للمنزل حتى قاعدته أو أساساته في الدور الأرضي، وهذا الطراز هو الأبسط بين جميع أنواع ''الرواشين'' قاطبة.
وأشار إلى أنه يركب في معظم الحالات على أحد جانبي المدخل بشكل متناسق وفي قطاعه الأدنى ثمة فتحات مستطيلة أو مقوسة حشوة بمصبعات من الحديد المزخرف، أما الأدوار العليا فثمة قطاعات مُستطيلة الشكل فوق الفتحات وتحتها، وقد توجد بعض الأحزمة الأفقية التي تشير إلى مستوى أرضية كل طابق من طوابق المنزل وغالبا ما يخلو السطح الخارجي لهذا الطراز من النقوش البارزة، وعوضا عن ذلك يطلى بالألوان الزخرفية، وفي العادة لا تتوج قمته بمظلة أو تاج.