تراجع مستوى الخدمات.. هل من معرفة للأسباب؟

يتساءل الكثير في هذه الأيام عن الأسباب الرئيسة وراء تعثر التنفيذ في كثير من مشاريعنا التنموية. والسؤال الذي يطرحه معظم أبناء هذا المجتمع الكريم هو ما هي العلة وراء عدم قدرتنا على تنفيذ المبادرات والبرامج والمشاريع الوطنية التي تم إقرارها؟ ثم هل هناك ما يحول بيننا وبين تصحيح أخطائنا والاستفادة من تجاربنا؟ ولماذا لا يعكس مستوى الخدمات لدينا التوجهات والبرامج المطروحة والاعتمادات المالية التي تم إقرارها؟ ليس على مستوى القطاع العام فقط، بل وحتى في مؤسسات القطاع الخاص.. هل لدينا معضلة في التنفيذ؟ أم أن قدراتنا كمجتمع إداري لا تصل إلى المستوى المطلوب لوضع الخطط على أرض الواقع وتقديم الخدمات المطلوبة، بل وتحقيق النجاح والتقدم المرغوب.
كلها أسئلة تدور في ذهن الكثير منا.. المتتبع لما يطرح على الساحة في بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي يلاحظ أن البعض طرح مقارنات بين مستوى الخدمات في قطاع معين لدينا ومستواها في ذات القطاع في بلد آخر في نفس المنطقة مذّكرا بتميز الخدمات في البلد الآخر على الرغم من تقارب الاعتمادات المالية إن لم تفوق الاعتمادات المالية في قطاعاتنا الوطنية الاعتمادات لذات القطاع في البلد المناظر.
الأمر الذي يفضي إلى طرح عدة تساؤلات عن أسباب ذلك.. وإذا ما استعنا بالدراسات والبحوث النظرية في محاولة لتفسير هذه الظاهرة فإن معظم الدراسات المتعلقة بالتنمية تشير إلى أن ذلك قد يعود لأحد الأسباب التالية أو لمعظمها إن لم يكن كلها:
1- الفساد الإداري.
2- عدم توفر المنهجية الإدارية المناسبة.
3- محدودية الكفاءات والقدرات البشرية.
4- عدم توفر الخبرات اللازمة.
5- عدم توفر الإمكانات المادية.
6- أسباب أخرى.
وقد تلاحظ أن معظم هذه الأسباب يتم تداولها، والحديث عنها في أروقة المجتمع السعودي ربما باستثناء السبب الخامس بحكم أننا بلد غني، ولله الحمد، وليس هناك مشكلة تتعلق بتوفر المال.
وكأن التركيز في الرأي العام يدور حول اتهام قدراتنا التنفيذية ووضع علامات استفهام حولها.. وفي اعتقادي أنه اتهام في محله... يقال: إن التخطيط بدون تنفيذ مجرد حلم. A plane without action is a dream، ولعل قراءة هذا الموضوع وبحث هذا الهم الوطني يشير إلى أن هذه الأسباب كلها قد تكون مسؤولة عن العلة. وفي واقع الأمر فإن ثمة سبب رئيس آخر لم يتم بحثه من قبل المراقبين تم الوقوف عليه قد يفسر إخفاق بعض أجهزتنا التنفيذية في وضع برامج التنمية ومشاريعها على أرض الواقع وتحقيق نجاحات ملحوظة ونمو مطرد وتقديم، خدمات تعكس قدراتنا المالية.. في اعتقادي أن أحد أهم الأسباب وراء ذلك يكمن في ثقافتنا ومفاهيمنا التقليدية.. فالواقع يشير إلى أننا نميل إلى محاولة تبرير أخطائنا، وبالتالي تكريس وترسيخ التقصير وإلقاء أسبابه على أطراف خارجة عن المقصر.. ومن ثم كأننا نبرر الخطأ ولا نكلف أنفسنا البحث عن وسائل المعالجة والتصحيح... وهو أمر ينطبق على الأفراد والمنظمات والمجتمع كله... فعندما يخفق أحد أبنائنا في الدراسة نجده يعزو ذلك إلى أسباب خارجية، كأن يلقي في اللوم على الأستاذ وتأتي الأم لتكرس مفهوم الأسباب الخارجة عن الإرادة، وربما تلقي اللوم على عين عائن أو حاسد حسد ابنها حتى أخفق، ويرسخ الأب هذا المفهوم بأن يلقي اللوم على الجامعة أو المدرسة التي لم تعلمه التعليم الأنسب وهكذا... وعندما تهزم أندية الكرة "معذرة لهذه التسمية" فإن اللوم من قبل الجماهير يقع على الحكم، أما رئيس النادي فيتجه إلى تغيير المدرب، لأن الرئاسة متميزة ولا ذنب لها، بينما يلقي اللاعبون اللوم على الإدارة وهكذا.. أما في مؤسساتنا التنفيذية فحدث ولا حرج، فالأسباب الخارجية والشماعات وافرة ولله الحمد... عندما يخفق المسؤول التنفيذي فإن الموظفين بطبيعة الحال أو الموارد أو المجتمع كله مسؤول عن ذلك التقصير والفشل، أما هو فبريء من ذلك براءة الذئب من دم يوسف، وهكذا.
تعليق الإخفاق على أسباب خارجه لن يساعد على الحل، بل ربما يدعم تكرار الأخطاء والإخفاق ويؤصله، سواء على مستوى الفرد أو المنظمات وهو سلوك لن يساعدنا على تصحيح المسار أو الاستفادة من أخطائنا وتجاربنا.
تقول نظرية الـ Attribution Theory: إن المرء بطبعه يميل إلى إلقاء اللوم على الآخرين، وتشير النظرية إلى وجود اختلافات جذرية بين المجتمعات فيما يتعلق بالاعتراف بالتقصير والاستفادة من الأخطاء.. وتؤكد الدراسات العلمية أن الشعب الكوري هو أكثر الشعوب موضوعية في هذا الجانب، وتبين الدراسات الاستطلاعية أن الكوريين أكثر الشعوب اعترافا بأخطائهم، وفي عزو ونسبة الأخطاء إلى الذات دون إلقاء اللوم على أطراف أخرى أو أسباب خارجة عن الإرادة... وفي ظني أن ذلك قد يفسر كون الكوريين من أسرع الشعوب تقدما في الربع الأخير من القرن الماضي... أما مجتمعنا فيبدو أنه يميل إلى الطرف الآخر من المعادلة التي تشير إليها النظرية السابقة، حيث إننا نميل بطبعنا إلى البحث عن أسباب خارجية Extrinsic عن إرادتنا لتبرير أخطائنا.
وهو ما يعرف بـ (Self-serving bias) حيث رصدت الدراسات العلمية أن هذه المجموعة تميل إلى إلقاء اللوم في أي إخفاق على أسباب خارجية، وبالتالي لا تكلف نفسها في البحث عن المسار الصحيح. في تقديري أن هذا المفهوم أو هذا السلوك الاجتماعي يمكن أن يفسر تعثرنا في تصحيح أخطائنا وتحقيق نجاحات في القطاعات التي نديرها وتحقيق التقدم المطلوب في تنفيذ برامجنا التنموية، ومحاكات المجتمعات المتحضرة.
وباختصار، فإن إلقاء اللوم المتبادل بين العاملين بعضهم البعض وبين مؤسسات المجتمع المختلفة، بل وبين الأجهزة التنفيذية الحكومية والمواطنين لن يساعدنا على تصحيح الأخطاء وتلمس المسار الصحيح.
(فهل إلى خروج من سبيل).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي