سوق الأسهم .. أزمة تمس الجميع

سوق الأسهم .. أزمة تمس الجميع

[email protected]

إن مجريات الأحداث في سوق الأسهم السعودي مرآة تعكس أسلوب تفاعل المجتمع بشكل عام في كل المجالات فهي ملخص لنتاج ما وصل إليه سلوك المجتمع وتأثيره في بعضه، فنجد سوق الأسهم بيّن بوضوح أن الدولة هي المحرك الرئيسي للاقتصاد وأنه معتمد على الدعم الحكومي وأن مشاركة القطاع الخاص ما زالت محدودة، فالشركات المنتظر طرحها والمعقود عليها الأمل هي مشاريع حكومية في غالبها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وبإضافة إلى ذلك فإن سوق الأسهم يظهر تأثير البيروقراطية الحكومية على مسار خطط التنمية حين نجدها في العديد من الأنظمة والتشريعات الخاصة بسوق المال التي صدرت في مرحلة كان من الصعب فيها اللحاق بركب المضاربين وإيقاف المتلاعبين منهم أو حتى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فكانت محاولات الإسراع في إصدار الأنظمة الصحيحة والتي تصب في الاتجاه السليم تبدو غير مجدية كحلول سريعة بل يكون أثرها سلبياً في بعض الأحيان.
وقد بين سوق الأسهم كذلك صعوبات تفعيل بعض الإجراءات وتطبيق الضوابط، وقد تمثل ذلك في عملية ضبط المتلاعبين بثروات ومدخرات المواطنين، ومن ناحية أخرى تبين من السوق وجود الجشع والأنانية وعدم الاهتمام أو المبالاة بالغير أو الشعور بالمسؤولية الاجتماعية لدى بعض فئات المجتمع التي تشخصت في شريحة المتلاعبين والذين لا هم لهم إلاّ الاستحواذ على أموال البسطاء والمساكين الذين يسعون لتحسين مصادر دخولهم فيتم استغلالهم أسوأ استغلال من خلال تلك الثغرات النظامية.
ويعكس سوق الأسهم محدودية المعرفة لدى العديد من المواطنين التي أسهمت في خسائر أموال ومدخرات سنوات عديدة، فتبيّن بذلك تأثير مستوى خدمات التعليم وأهمية الحاجة إلى تطويرها فهي تلعب دوراً رئيسياً في رفع مستوى الوعي والثقافة والإدراك أن هناك متطلبات تأهيل للدخول في مجال احترافي مثل أسواق المال بدلا من أن يلقي المواطنون بأموالهم إلى التهلكة دون تصور لمقدار المخاطر التي تتعرض لها، ونجد أن السوق أظهر أيضاً حجم اعتمادية المواطن على الدولة حتى فيما لا ينبغي التدخل فيه كأسواق المال، والوصول إلى مرحلة مطالبة الدولة بطرح استثمارات وتحديد الحجم والتوقيت والسعر لتعويض القرارات الاستثمارية التي اتخذها المستثمرون (أو المغامرون) بأنفسهم.
ومن جهة أخرى نجد أن السوق أوضح سلبيات ضعف التخطيط طويل المدى من خلال عدم تقدير حجم فوائض السيولة العالية المتوافرة لدى المواطنين (قبل الانهيارات المتتالية) ووجود خطة مناسبة لامتصاصها وإدارتها بكفاءة، التي كان لها دور مهم في الكارثة الحاصلة من تضخيم لأسعار الأسهم، فالمفترض وجود استراتيجية للمحافظة على هذه الثروة الوطنية وتوجيهها في الاتجاه الاستثماري المنتج كالدخول في شركات ومشاريع تنموية مجدية ومربحة بدلا من تسربها وضياعها في مسارات غير مفيدة كأسهم الشركات الخاسرة، ويعكس السوق آثار التضارب أو التعارض في الآراء الشرعية، وقد تجلى ذلك في عملية تحديد الشركات المتوافقة والمتعارضة مع الشريعة، فمجموعة تحلل وأخرى تحرم ويزيد العرض أو الطلب ويرتفع سعر السهم أو ينخفض بناء على ذلك حتى دون الأخذ في الاعتبار أحياناً بالأداء المالي للشركة، وختاما، أظهر السوق أن حلول الأزمات المؤقت غير مجد ما لم يكن جزءاً من خطط مستدامة قائمة على التحليل والدراسة المتكاملة للمشكلة وللمستجدات يتم من خلالها تحديد مصادر الخلل أو القصور وسبل معالجتها لا التعامل مع المشاكل بردود أفعال آنية ينتهي مفعولها سريعاً.
وبهذا فإن ما يحدث يضعنا في مواجهة مع أنفسنا وملاحظة أن هذه الأخطاء تتكرر في العديد من القطاعات وليس في سوق الأسهم فقط وعلى جميع المستويات و بنفس المعطيات المذكورة أعلاه وأن أضرارها بنفس الحجم ولكن سوق المال أظهرها لنا بشكل واضح لعلنا ندرك أن الحل والعلاج يجب أن يكون على مستوى شامل ومستمر وبمشاركة جميع الأطراف وبالاعتراف بأن الخطأ يشترك فيه ويتحمله الجميع كل بحسب حجمه بدلاً من إلقاء البعض الأسباب والأخطاء على الآخرين، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة