جدلية الطعام والصيام

جدلية الطعام والصيام

جدلية الطعام والصيام

<p><a href="mailto:[email protected]">kjalabi@hotmail.com</a></p>

الإنسان يعيش بالطعام ويموت مع الحرمان، ولكن (ابن خلدون) يتحفنا بخبر عن امرأتين عاشتا دون طعام سنوات. جاء في المقدمة: "وما يتوهمه الأطباء من أن الجوع مهلك؛ فليس على ما يتوهمونه، إلا إذا حملت النفس عليه دفعة واحدة، وقطع عنها الغذاء بالكلية، وأما إذا كان ذلك القدر تدريجيا كما يفعله المتصوفة؛ فهو بمعزل عن الهلاك".
ثم يذكر ابن خلدون وقائع ميدانية رآها بنفسه "ولقد شاهدنا من يصبر على الجوع 40 يوما وصالا وأكثر".
ثم يذكر قصة غريبة "وحضر أشياخنا بمجلس السلطان أبي الحسن وقد رفع إليه خبر امرأتين من أهل الجزيرة الخضراء ورندة، حبستا نفسيهما عن الأكل جملة من السنين، وشاع أمرهما، ووقع اختبارهما، فصح شأنهما، واتصل على ذلك حالهما، إلى أن ماتتا".
ورأينا كثيرا من أصحابنا أيضاً من يقتصر على حليب شاة من المعز، يلتقم ثديها في بعض النهار، أو عند الإفطار، ويكون ذلك غذاءه، واستدام على ذلك 15 سنة".
وأما من الناحية الطبية، وحسب معلوماتنا، فإن الإنسان يموت دون ماء بعد عدة أيام من الحرمان، ويصبر على الطعام أسابيع.
أما قصة السيدتين اللتين عاشتا بدون طعام سنوات فهو غريب، ولا يقره الطب أو لا يعترف به ويصدقه.
ولكننا علينا أن نطبق على ابن خلدون نفس المنطق الخلدوني، وهو عدم اعتبار الروايات من الجانب النقلي، كما نقله عن مشايخه في قصة السيدتين فهو يقول: إن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل، ولم تحكم أصول العادة، وقواعد السياسة، وطبيعة العمران، والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والذاهب بالحاضر، فلا يأمن فيها الإنسان من العثور، ومزلة القدم، والحيد عن جادة الصدق".
مع هذا فيجب أن نستوعب القواعد العلمية، ولا تكذب لمجرد التكذيب، بل يجب تقبل كل حدث، مهما كان غريبا وشاذا، ودراسته كواقعة؛ فهذه هي روح العلم، ولم يتقدم إلا بهذه الطريقة، من رصد الواقعات وكشف قانونها.
وهناك من يرفض أشياء، ويعتبرها شعوذة ودجلا، ولكن الروح العلمية تجعلنا نتقبل أي شيء واقع، وتأمله لمعرفة سره.
وأهم مزايا العلم البعد عن الأسرار، وفهم كل شيء إنها سنة الله في خلقه.
ومن هذه الأمور المشي على الجمر، فقد عرضت قناة ديسكفري، سر هذا الأمر وتبين أنها مثل حبة الماء التي تتدحرج على صفيحة من النار ساخنة، ويمكن أن يحدث هذا للحم الإنساني الحي، فلا يحترق شريطة الهدوء الروحي.
والإنسان كائن عجيب، يحمل من الأسرار ما لم نكشف عشر معشارها.
وهناك حاليا علمان لمعرفة أسرار الإنسان، من صيوان الأذن، ومن عقب القدم. ولا يعني هذا أننا أمسكنا بمفاتيح فهم الإنسان.
وعرفنا مثلاً مخططات العلاج بالإبر على الجلد، حيث يمكن السيطرة على الألم. وعرفنا أن الوخز بالإبر يفرز هورون الاندومورفين المخفف للألم.
والصيام هو أحد مفاتيح الدخول لشفاء الإنسان على نحو غامض، ويقول ابن خلدون:" واعلم أن الجوع أصلح للبدن من إكثار الأغذية بكل وجه لمن قدر عليه أو على الإقلال منه وإن له أثرا في الأجسام والعقول في صفاتها وصلاحها".
ومن هذه البوابة يدخل الصيام لإصلاح الروح والبدن، ونحن في الطب نعمد إلى حرمان المريض الذي يدخل المشفى عادة من الطعام والشراب والاستعاضة عن ذلك بالمحاليل الوريدية، وهي نوع مخفف من الصيام، فيرتاح المريض من آلام البطن، وقد لا يحتاج لعمل جراحي في بعض الأحوال. ويريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر.

الأكثر قراءة