مسنات يتعايشن مع الوحدة في «أربطة جدة» .. ويتقاسمن تفاصيل الفرح والحزن
"رباط المغربي" أحد "الأربطة" المعروفة في جدة تضم 17 مسنة، أسس عام 1300م ومكون من 20 غرفة مرفق بكل غرفة دورة مياه بمطبخ مشترك مكون من طابقين وساحة داخلية بمساحة لا تتجاوز 700 متر مربع تشترك فيها 17 مسنة.
أم صالح صفية (85 عاماً) أقدم مسنة في الدار توفي ابنها قبل ثلاثة أشهر إثر فشل كلوي لتكمل وحيدة في الدار مع قريناتها في السن ذاتها، يتقاسمن أوجاع ومرارة الدنيا فأغلب ساكنات الدار وحيدات فقدن أسرهن.
تقول لـ "الاقتصادية": "نتقاسم الأحزان والأفراح رغم حدوث مشاكل ولكن سرعان ما تنتهي قبل انتهاء اليوم، الرباط جنتي في الأرض رغم صغره وتهالكه، رغم ضعف نظرها وجسمها المتهالك إلا أنها ما زالت تحتفظ بذكرياتها في الدار لتحكي عن قريناتها من غادرن الدار ومن توفين بالدار لتذرف الدموع لفراقهن".
ولفتت إلى أن "كل نزيلة جديدة للدار تحتاج إلى فترة لتتعود على الدار, فعادة تلتزم الصمت وعدم رغبتها في التحدث أو البوح بخصوصياتها وتكون دموعها هي ما تعبر عنها لتبدأ تدريجيا بمعايشتنا والتأقلم معنا". وأوضحت أم صالح أن يومهن يبدأ منذ ساعات الصباح الأولى بإعداد الفطور كل على حدة, ونقوم بمساعدة المقعدة العاجزة عن الحركة, عادة نجتمع في أيام الربيع والشتاء في الساحة الداخلية ولكن في الصيف نفضل المكوث في الغرف نظرا لارتفاع درجة الحرارة, مبينة أن لكل دار مسؤولة تكون من ساكنات الدار تنظر في مطالبنا وتعمل على حل المشكلات والاختلافات بين النزيلات وتقوم بإغلاق الباب عند الساعة الحادية عشرة, وكل مسؤولة تختلف عن سابقتها ولكن عند تفاقم المشكلات يكون العمدة هو الحكم الفاصل بيننا, مشيرة إلى أن رمضان شهر الخير وفيه تكثر الزيارات والإعانات المقدمة لنا من أهل الخير بشكل يومي.
وتقول إن الاختلاف عبر العقود التي مرت بها, وتضيف: "اليوم تشهد الدار زيارات من شباب وشابات متطوعات لتقديم المساعدة والهدايا والتنظيف والتحدث معنا، فلم تعد الزيارة مختصرة على من يقوم بتوزيع الإعانات بل أصبح زوارنا من الصغار والكبار من فاعلي الخير يتواصلون معنا بشكل دوري, ويدخلون الفرح والسرور علينا ويجعلوننا نتواصل مع العالم الخارجي". وأشار عمدة البلد عبد الصمد محمد عبد الصمد إلى أن أكثر من 20 رباطا في البلد تحديداً في المنطقة التاريخية في جدة, معظمها أسس قبل 200 عام, مثل "رباط الذيب، والخنجي، والنوري، وباناجة، والمغربي والصومالي" جميعها تحمل الطابع التاريخي الذي أسس ليكون رباطا, ما يشير إلى أن الإسلام والمملكة كانت تهتم بالأربطة منذ قديم الزمان, ولفت إلى أن هناك أربطة أغلقت لعدم أهليتها للسكن والبعض الآخر موجود ما زالت تؤدي دورها الخيري كدار إيواء, نعمل الآن مع جمعية الإحسان بإعادة ترميمها وتأهيلها للسكن بالاحتفاظ مع طابعها التاريخي. وقال عبد الصمد: "أقوم بزيارتهن بشكل شبه يومي أتلقى منهم الدعاء والبركة، أكون على اطلاع تام بكل نزيلة بالدار, وعند دخول أي نزيلة جديدة للدار لا بد من اكتمال أوراقها الرسمية وصلاحيتها سواء للسعوديات أو الأجنبيات لنتمكن من مساعدتها وتوفير العناية الصحية والمالية لها".
وأشار إلى أن أكثر المشكلات بين النزيلات تكون بسبب الأرزاق أو موعد الزيارة وإغلاق الباب, فلكل دار مسؤولة من ساكنات الدار تبحث المشاكل والاحتياجات. وحول كيفية إعانة المسنين، أوضح هناك اهتمام خاص من قبل الدولة ومن محافظ جدة بمعالجتهم في المستشفيات العامة، إضافة إلى الجمعيات الخيرية مثل البر وزمزم التي وفرت عيادات خاصة لمسنات ومسني الأربطة, إضافة إلى الإعانات المالية من الدولة متمثلة في الضمان الاجتماعي ومن فاعلي الخير التي تقدم بشكل دوري للنزلاء.
فيما أوضح طلال أبوصفية مدير الموارد البشرية في جمعية الإحسان لرعاية الإنسان في منطقة مكة المكرمة أن وزارة الشؤون الاجتماعية سلمت للجمعية ستة أربطة في البلد لإعادة ترميمها وقد بدأنا بإفراغ أحد الأربطة وإبدال النزيلات بمساكن مؤقتة إلى الانتهاء من الترميم, ولكن مع الأسف ساكنات الأربطة سرعان ما يعدن للدار والخروج من المساكن المؤقتة بحجة أن المكان غريب عليهن وأن الناس وأهل الخير يعرفونهن في أماكنهن, فمن الصعب التأثير فيهم ولكن مع المحاولة, موضحاً أن ترميم المباني التاريخية يعتبر من أصعب أنواع الترميم خاصة أنه يحتاج إلى مهندسين: معماري حديث ومهندس بلدي له الخبرة بالمباني التاريخية لبحث كيفية الترميم. وأوضح أن الجمعية أعدت مسابقة بالتعاون مع الفنانة التشكيلية فاطمة باعظيم بتصوير الأربطة بعدسة عدد من المحترفين وبيعها بغرض جمع التبرعات لترميم هذه الأربطة.