الفيصل: مذابح النظام السوري تُوصف بالجرائم ضدّ الإنسانية
تتطلع دول مجلس التعاون الخليجي إلى إبرام اتفاقية إطارية (مجتمعة) مع الولايات المتحدة خلال النصف الأول من العام الجاري 2012 في مجالي التجارة والاستثمار، وذلك في إطار العمل على تبني وسائل وإجراءات ملموسة لرفع مستوى التبادل التجاري، وتعزيز المصالح المشتركة وتطوير التعاون فيظ المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والفنية بينهما.
وتأتي هذه الخطوة بعد انعقاد الاجتماع الوزاري الأول لمنتدى التعاون الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة في الرياض أمس، حيث أبدى الوزراء ترحيبهم بالتقدم المحرز نحو إبرام هذه الاتفاقية، ومتطلعين إلى توقيعها خلال النصف الأول من هذا العام.
ووجه الوزراء كبار المسؤولين بتشكيل مجموعات عمل قبل الأول من أيار (مايو) المقبل تشمل دول المجلس والولايات المتحدة وتُعنى بالقضايا الاستراتيجية والأمنية الأساسية، وتتكون من مسؤولين وخبراء من الجانبين، على أن يجتمع كبار المسؤولين بحلول 15 تموز (يوليو) لاستعراض التقدم المحرز، وإعداد تقرير بالتوصيات النهائية لمجموعات العمل، واقتراح الخطوات المستقبلية وعرض ذلك على الاجتماع الوزاري المقبل لمنتدى التعاون الاستراتيجي بين مجلس التعاون والولايات المتحدة، المقرر عقده في أيلول (سبتمبر) 2012.
كما ناقش الوزراء سبل تعزيز التعاون في عدد من المجالات الرئيسية منها التعاون العسكري بين مجلس التعاون وأمريكا، الأمن البحري، حماية البنية الأساسية الاستراتيجية، ومكافحة القرصنة والإرهاب وأسلحة الدمار الشامل.
وفي هذا السياق، اتفق الجانبان على تشكيل لجنة من الخبراء الأمنيين لبحث وتعزيز الدفاع الصاروخي البالستي المشترك بين الجانبين في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بعمليات تحسين تكامل العمليات في هذا المجال.
#2#
أمام ذلك، وصف الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الاستراتيجي بين دول المجلس وأمريكا بالإيجابي والبناء، قائلا: إنه جرى في إطار العلاقات الوثيقة بين الجانبين القائمة على الاحترام المتبادل وتكريس المصالح المشتركة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، وعلى المستويات الرسمية وغير الرسمية كافة.
وهنا كشف الفيصل عن اتفاق بين الجانبين بشأن تشكيل لجنة من الخبراء الأمنيين لبحث وتعزيز الدفاع الصاروخي البالستي المشترة بين الجانبين في المنطقة.
وقال الأمير سعود الفيصل، خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده أمس مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، ''شكلت الأزمات والتحديات التي تمر بها المنطقة محور المباحثات، وفي نظرنا أن الأوضاع الأمنية الهشة أحد أهم مسبباتها استمرار القضية الفلسطينية دون حل، واستمرار سياسة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وقد بحثنا في الاجتماع العديد من مواضيع الساعة وعلى رأسها المجزرة الإنسانية الشنيعة للشعب السوري، علاوة على بحث مستجدات الأوضاع في اليمن، وكذلك استعراض مجمل التطورات والأوضاع السياسية في منطقة الخليج والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتداعياتها على أمن واستقرار المنطقة والعالم''.
وأضاف ''ما من شك فإن التحديات والمخاطر التي تواجهها المنطقة، تظل أحد أهم عوامل تهديد أمنها واستقرارها، ومن هنا تأتي أهمية منتدى التعاون الاستراتيجي بين المجلس والولايات المتحدة، خصوصا أن قضية الأمن الإقليمي في منطقة الخليج والشرق الأوسط - ولأهميته الاستراتيجية - تحظى باهتمام القوى الإقليمية والدولية، وذلك في ظل التوترات المتسارعة في المنطقة التي جعلت مصالح هذه القوى تتشابك أحيانا وتتقاطع أحيانا أخرى، ويأتي في مقدمة هذه التحديات النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، الإرهاب، والتدخلات الإيرانية المستمرة في شؤون دول المنطقة، إضافة إلى برنامجها النووي المثير للريبة''.
وأكد وزير الخارجية حرص دول مجلس التعاون الخليجي وفي سياق تعاملها مع أمن واستقرار المنطقة على حماية أمنها واستقرارها الداخلي بوصفها جزءاً لا يتجزأ من أمن المنطقة، مفيدا بأنها انتهجت لذلك سياسة الإصلاحات الجادة والتنمية المستدامة لمجتمعاتها وشعوبها، مع حرص دول المجلس على بناء علاقات إيجابية وبناءة مع دول المنطقة والعالم تقوم على الاحترام المتبادل للسيادة والاستقلال، وخدمة المصالح المشتركة، وانتهاج سياسة الحوار لحل الأزمات مع الأطراف الإقليمية والدولية كافة.
وتابع: ''من هذا المنظور، فإننا نأمل أن يتحقق لدول المنطقة وشعوبها ما تصبو إليه من آمال وتطلعات لمستقبل مزدهر، والحفاظ على أمنها وسلامتها في ظل سيادتها واستقلالها ووحدة ترابها الوطني بمنأى عن أي تدخل خارجي''، منوها باستجابة الشعب اليمني لمبادرة الانتقال السلمي للسلطة، ودعوتهم إلى الاستمرار بالروح نفسها حيال تحقيق أمن اليمن واستقراره الذي من شأنه دعم الجهود الدولية الرامية إلى الإسهام في تنميته، مع التأكيد على أهمية تضافر هذه الجهود، مشيرا إلى أنه سيعقد بمشيئة الله في الرياض أواخر الشهر المقبل اجتماع أصدقاء اليمن لهذا الغرض.
وبين الفيصل ''أعتقد أننا خطونا خطوات مهمة في مجال مكافحة الإرهاب، ومطلوب منا الاستمرار في هذه الجهود لحماية مجتمعاتنا من شرور الإرهاب، واقتلاعه من جذوره''.
وفيما يتعلق بالملف السوري قال: ''أعتقد أننا جميعا متفقون على أن الوقف الفوري للقتل الممنهج ينبغي أن يشكل أولوية الجهود الدائمة، وذلك وفق خطة الجامعة العربية وفي الإطار العام للشرعية الدولية على أن نأخذ في الحسبان أن مذابح النظام السوري وصلت إلى مستويات لا يمكن وصفها إلا بالجرائم ضد الإنسانية، التي لا ينبغي للمجتمع الدولي السكوت عنها تحت أي مبرر كان''.
وردا على سؤال بشأن مسألة تسليح المعارضة السورية وأن المملكة يبدو أنها تعيد هذه الفكرة التي سمعنا عنها كثيراً في الأيام الأخيرة، وكيف تضمن أن السلاح لن يصل إلى أيدي الإرهابيين أو القاعدة، قال وزير الخارجية ''إذا اعتقدنا أن الدعاية من الجانب السوري فهذا يعني أنه لا يوجد حرب في سورية وهم مجرد إرهابيون وهم الذين يحدثون الفوضى وأن النظام هو الذي يقاتل ويحارب هذا الإرهاب.. ولا يريدون الاعتراف بأنها ثورة في سورية، ونحن شاهدنا قصف الدبابات التي تواصل تحركاتها، وبذلك نحن نعيش في عالم من الحقيقة والخيال اللذين يختلطان''.
وأضاف ''إن الأمر الجلي أمامنا جميعاً أن ما يحدث في سورية هو مأساة وهي ذات أبعاد مهولة ومفجعة، وأن القيادة والنظام قرروا أن يواصلوا سيطرتهم على ضبط هذه الثورة واحتواء كل شيء عبر استخدام القوة العسكرية، وأن قرارات المساعدة للسوريين، كانت لا تطبق في السابق.. لكن الآن لا بد من وسيلة لمساعدة السوريين''.
وأردف بالقول ''إنهم يقتلون لأنهم لا يجدون مخرجاً من أزمتهم والقتل متواصل، وإننا لن نسمح بمواصلة هذا القتل وسنساعدهم على الأقل في الدفاع عن أنفسهم، ولا أحد يبحث عن الإضرار بسورية، ونحن مع فكرة التسليح للمعارض السوري الذي يحارب من أجل حياته وحريته''.
من جهتها، قالت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية ''أسعدني بالأمس أنها تسنت لي الفرصة بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز''، مبينة أن الشراكة بين البلدين تعود إلى أكثر من ستة عقود.
وأضافت ''إننا نعمل اليوم سوياً على باقة من أمور الاهتمام المشترك على المستوى الثنائي والمتعدد الأطراف، ومثال ذلك أن كلاً من الولايات المتحدة والسعودية تشترك في الاهتمام بالتأكد من أن أسواق الطاقة تعزز النمو الاقتصادي ونقر ونثمن الريادة التي أظهرتها المملكة ونعمل سوياً لزيادة الرخاء في بلدينا وحول العالم''.
وبشأن سورية، قالت كلينتون إنه تم مناقشة الموضوع السوري بشكل جيد في الاجتماع المبدئي مع المملكة والإمارات وقطر وخلال اجتماع مجلس التعاون الخليجي والتعاون الاستراتيجي تمهيدا للقاءات في إسطنبول، مشيرة إلى أن ''خادم الحرمين الشريفين لطالما كان صوته مرتفعا لمناصرة الشعب السوري وناقداً صريحاً لسفك الدماء على يد الرئيس الأسد وملتزماً بمساعدة الشعب السوري، ونحن نناشد النظام السوري أن يفي بالتزاماته التي تعهد بها أمام كوفي عنان وينفذ الخطط ويسمح بالانتقال الديمقراطي''.
وبينت أن التركيز سيكون على أربع نقاط هي تكثيف الضغط الذي نحدثه عبر العقوبات وأن عددا من دول الخليج قامت بعمل متقدم بتطبيق العقوبات ونريد تدعيما دوليا لهذه العقوبات، كذلك تقديم المساعدات الإنسانية لمحتاجيها، إضافة إلى العمل على تعزيز قوة ووحدة المعارضة ووضع رؤية واضحة ليتمكنوا من تمثيل البديل لنظام الأسد، مشيرة إلى أنهم قد واجهوا مشكلة بالتواصل ونحن نعمل جاهدين لمؤازرتهم بهذا الشأن، إلى جانب إخضاع ومحاسبة كل المسؤولين عن أعمال العنف، موضحة أن كيفية مساعدة المعارضة السورية هي شأن يجري التركيز خلاله ونبحث في جميع خياراتنا لتوفير الدعم غير الفتاك والتنسيق بين الشركاء مع دول الخليج.
وقالت كلينتون ''اليوم في الجلسة الافتتاحية لمنتدى التعاون الأمني لاحظت الالتزام الصلب للولايات المتحدة والثابت والصلب لشعوب ودول الخليج، وشكرت زملائي في مجلس التعاون للإسهامات الإيجابية الكثيرة للأمن الإقليمي والدولي، ولا سيما ريادة مجلس التعاون في تحقيق التحول السلمي في اليمن، ونأمل أن يصبح هذا المنتدى إضافة دائمة لمناقشاتنا الثنائية المستمرة القائمة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون لتعميق وتنسيق التعاون المتعدد الأطراف حول التحديات المشتركة ومنها الإرهاب والانتشار النووي والقرصنة، وكذلك الضوابط الاستراتيجية والاقتصادية الواسعة النطاق، ومن الأمور الأخرى أيضاً مساعدة الجيش الأمريكي وجيوش مجلس التعاون باتباع خطوات عملية من تحسين تكامل العمليات والتعاون في مجال الأمن البحري وتعزيز الدفاع الصاروخي البالستي في المنطقة وتنسيق الاستجابات للأزمات''.
وتحدثت عن بعض التحديات الخاصة التي تواجه المنطقة، وبدأت بالشأن الإيراني وقالت: ''إن إيران تستمر بتهديد جيرانها وتقوض الأمن الإقليمي من خلال دعمها لحملة القتل التي يمارسها نظام الأسد في سورية والتهديد ضد حرية الملاحة في المنطقة والتدخل في اليمن، إن العالم بأسره شعر بالغضب بالتقارير التي تؤكد أن إيران كانت تحيك مؤامرة لاغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة وبالمزاعم بأن إيران متورطة في الاعتداءات الإرهابية التي حدثت في الهند وجورجيا وتايلند أخيرا، وأيضاً من أكبر الأمور قلقاً وإلحاحاً نشاط إيران النووي''.
وأبرزت العقوبات الدولية على إيران، وقالت كلينتون: ''فتحنا في الوقت نفسه الأبواب إذا كانت فعلاً تبدي إيران جديتها في الاستجابة لهذه المخاوف الدولية وبالتالي هذا يبين إذا كانت القيادات الإيرانية لديها جدية في مناقشتها لبرنامجها النووي، وإن كانوا مستعدين لبناء الأساسات للتوصل إلى حل لهذه المشكلة الخطيرة، الأمر يعود للقيادات الإيرانية في أن تتخذ الخيارات الصائبة، وسنرى إن كانوا سيفعلون ذلك بدءا بمفاوضات (خمسة زائد واحد) في إسطنبول في 14 من كانون الأول (ديسمبر)''.
وفي الشأن السوري، أضافت وزيرة الخارجية الأمريكية ''إن قيادات أكثر من 60 دولة ستجتمع يوم غد (اليوم) في إسطنبول في اللقاء الثاني لأصدقاء سورية، وسمعنا في هذا الأسبوع من كوفي عنان الممثل الخاص لكل من الأمم المتحدة والجامعة العربية بأن نظام الأسد قد قبل مبادرته بالخطة ذات النقاط الست، ودعوة للنظام السوري بأن يسحب قواته وسلاحه وأن يحمي وقف إطلاق النار ويوقف تدخله في المظاهرات السلمية والسماح بالمراقبين الدوليين، لكن الحكومة السورية بقيت كعهدها تتفق على شيء ولا تعمل على تنفيذه ومنذ ذلك اليوم تواصل القوات السورية قصف الأحياء واستهداف دور العبادة''.
وبينت أنه تم الاتفاق في الاجتماع الوزاري على حث المبعوث الخاص بأن يحدد جدولاً زمنياً للخطوات المقبلة في سورية، ونتطلع للسماع منه يوم الإثنين عندما يخاطب مجلس الأمن لنحدد بعدها الخطوات المقبلة، إضافة لخطوات زيادة الضغط على النظام وتوفير الحماية الإنسانية بالرغم من العقبات التي يضعها النظام، والبحث في سبل دفع انتقال شمولي ديمقراطي يلبي طموحات الشعب السوري ويحمي تكامل أراضيه ووحدة الأراضي السورية.
وأشادت بتعامل المملكة وبقية دول مجلس التعاون الخليجي مع الأزمة حيث كانوا مناصرين للشعب السوري، مشيرة إلى قلق مشترك وهو ينعكس على تغيرات التحركات الكبيرة تجاه التغيير في هذه المنطقة، داعية إلى مواصلة العمل مع الشعب لإيجاد سبل الاستجابة للمطالب الشرعية التي يمثلها المجتمع المدني.
واستهدف منتدى التعاون الاستراتيجي لدول مجلس التعاون والولايات المتحدة، وضع إطار رسمي للتعاون الاستراتيجي في القضايا السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية بينهما ويتضمن عقد اجتماعات وزارية منتظمة، إضافة إلى اجتماعات بين كبار المسؤولين والخبراء من الجانبين في جميع المجالات ذات الاهتمام المشترك.
ويسعى الجانبان من خلال المنتدى إلى مناقشة القضايا الاستراتيجية الرئيسية، وتحقيق المصالح المشتركة، وتنسيق الجهود لدعم الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتعزيز العلاقات بين مجلس التعاون والولايات المتحدة في جميع المجالات.