من سيملك العالم ؟
تدور في مجالسنا أحاديث من هنا وهناك, و نخلط جدها بهزلها. ومن حين إلى آخر تطفو منها بعض الظواهر المتكررة والغريبة. فنجد أننا نحاول جاهدين أن نلقي اللوم و بشكل قد يكون عفوي و مُبرمج على معظم الأشياء من حولنا سواء كانت أشخاصا أو مؤسسات أو هيئات . فهل نحن نحاول الهروب من الواقع , أو الهروب من المسؤولية !.
إن إلقاء اللوم على الآخرين هي الطريقة الأسهل ولكنها الأضعف. وهذا النمط المتكرر والمفرط يُولّد نوعا من التشاؤم في حديث المجالس وهي ظاهرة غير صحية. وحتى نخرج من هذه الشرنقة لابد أن ننظر إلى الجانب الأخر, فلعل هناك نافذة نبحر منها في دنيا التفاؤل.
إن هذه النافذة لا يراها إلا المتفائلون, فالحياة في أعيينهم حلوة نَظِرة. فهم يرون الأشجار خضراء حتى ولو كانت من غير ورق, ويرون الصفاء في الماء حتى ولو كان فيه كدر. فعندهم تصبح العين مرآة للقلب فلا يرون إلا الحسن في كل شي من حولهم.
فما الذي يمنعنا من ذلك ؟ وما الذي سنخسره إذا كنا في جُل حياتنا من المتفائلين ؟.
إن المتفائل يرى في الأزمات والمصاعب أمل وشمس ستشرق, ولكن المتشائم يرى فيها ليل طويل ليس له فجر. فهل تخيلت يوما أن يكون العدو من أمامك, والمرجفون من خلفك, والخوف يملئ جوفك , فلا يغفو لك جفن أبدا , و الجوع يحتويك , والإعياء والتعب شديد ينهش جسدك. ومع كل هذه الظروف المحيطة بك تُبصر قائدا هامته من هامة السماء, ويقينه وتفاؤله كالجبل الشامخ لا تهزه الظروف. ثم تراه يقف أمام صخرة صماء تعترض طريق الأمل فيضربها فإذا بشعاع الحق يضيء السماء فيقول " الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام ، والله إني لأبصر قصورها الحُمر الساعة ، ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر فقال : الله أكبر ، أعطيت مفاتيح فارس ، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض ، ثم ضرب الثالثة وقال : بسم الله ، فقطع بقية الحجر فقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة " إنه القائد الفريد والأوحد من كل بني البشر , فهو في أحلك الظروف وأشد الأزمات يظل كالنبراس ضياء للمتفائلين . لا تغيره الظروف المحيطة, بل هو الذي يغيرها بمواقفه وسمته وأخلاقه. لقد كان ذلك القائد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام, وكان ذلك المشهد لمحة مضيئة من غزوة الخندق (الأحزاب) التي تجلى فيها التفاؤل في أبهى صوره.
حين يصبح حديث النفس والمجالس أكثر تفاؤلا عندئذ قد نملك العالم. فقد قيل " إن العالم يملكه المتفائلون, أما المتشائمون فما هم إلا متفرجون ". و لقد قال ونستون تشرشل يوما - رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية - " المتشائم يرى مشكلة في كل فرصة , والمتفائل يرى الفُرص في كل مشكلة".
إن الحياة تعجُ بأمواج من المِحن كأنها البحر, وأنت ربان السفينة فليكن شراعك التفاؤل.