الليرة السورية والريال الإيراني .. تناغم الخراب
«هذا ليس إنكارًا، إنني فقط أختار من الحقيقة ما يناسبني»
بيل ووترسون ـــ فنان ورسام كاريكاتير أمريكي
حسنًا.. ليست الليرة السورية ومعها الريال الإيراني عملة موحدة، وليستا ضمن آلية صرف واحدة، وليستا وليدتي مصرف مركزي واحد، وليستا مرتبطتين باقتصاد مشترك، لكنهما ''ملتحفتان'' بمصير واحد، فرضته سياسة مشتركة لنظامين قررا التخاصم الدائم مع المجتمعات المحيطة بهما، وبعدها المجتمع الدولي. كرها التعاون والحوار والحلول الهادئة. والحقيقة أن هذه السياسة ليست سوى سلوكيات مريعة، تستحق بجدارة توصيف ''سلوكيات الخراب''، نالت من الشعبين السوري والإيراني أولاً وأخيرًا. وكما كل الأنظمة التي تختار فقط ما ترغب من الواقع والحقيقة، ولا تتعاطى معهما بكل عناصرهما ونتائجهما ودلالتهما وتبعاتهما ومسراتهما ومصائبهما، كذلك نظاما الأسد ونجاد، اللذان تفرغا للجدل والصراع مع المنطق، ولا بأس من ضربه، سواء سنحت لهما الفرصة أم لم تسنح، بصرف النظر عن النتائج، وهي دائمًا، محصلة كارثية عليهما وعلى شعبيهما.
سلوكيات الخراب أوجدت بصورة طبيعية معها تناغم الخراب، حول كل شيء وأي شيء. ومن الطبيعي أن تكون العملتان السورية والإيرانية في عينه. وإذا كانت العملات ـــ بشكل عام ـــ تشكل رموزًا للهيبة الوطنية، ومن أجل ذلك تسعى الدول بكل ما أوتيت من قوة للحفاظ على مكانتها، فإن الأمر ليس كذلك في حالتي ليرة سورية وريال إيران، فقد أصبحتا رمزًا من رموز الانهيار الاقتصادي، والهموم المعيشية، والمصائب اليومية. أصبحتا جزءًا أصيلاً من آليات التمرد والغضب، التي تقود أوتوماتيكيًّا إلى عصيان مدني متعدد الأشكال. ففي شهر واحد فقط خسرت الليرة السورية 20 في المائة من قيمتها، بعد أن خسرت على مدى الأشهر الأربعة التي سبقته قرابة 40 في المائة. وفي الشهر نفسه خسر الريال الإيراني أكثر من 30 في المائة من قيمته. ماذا يعني هذا؟ يعني أن الأسعار ارتفعت بصورة جنونية، وأن المواطن في كلا البلدين، مضطر ليس إلى تقليل حجم مشترياته (بما في ذلك مشترياته من المواد الغذائية الأساسية)، بل إلى التخلي عن عدد منها! ومع كل انخفاض في قيمة العملتين، ترتفع معدلات الغضب لدى الشعبين. وفي الوقت الذي تشهد فيه سورية ثورة شعبية سلمية عارمة، طلبًا لحرية اغتصبت فيها على مدى أكثر من أربعة عقود، بدأت بوادر الغضب تظهر في إيران، من خلال صدامات بين أفراد الشرطة ومواطنين في مدينة قم، وتوتر شعبي هنا وآخر هناك، وسط أجواء مشحونة أصلاً من سياسات محلية اقتصادية وغير اقتصادية.
لا شك أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الأوروبية والولايات المتحدة على كل من سورية وإيران، أسهمت بصورة كبيرة في انخفاض قيمة عملتي البلدين، وأن مزيدًا منها سيسرع وصولهما إلى الحضيض. لكن هل كانت هذه العقوبات هي السبب الوحيد؟ السبب الأساس هو السياسات الاقتصادية التي اتبعها النظامان السوري والإيراني على مدى أكثر من ثلاثة عقود، بما في ذلك عمليات السرقة والنهب والفساد. ففي منتصف سبعينيات القرن الماضي كان الدولار الأمريكي يساوي 2.5 ليرة سورية، وبلغ الآن أكثر من 80 ليرة. وفي الفترة نفسها كانت قيمة الدولار توازي 70 ريالاً إيرانيًّا، وهي اليوم 18 ألف ريال! المواطنون في كل من سورية وإيران، يقومون منذ أشهر بتخزين المواد الغذائية، ليس خوفًا من فقدانها في السوق، بل تفاديًا لارتفاع أسعارها. فما تشتريه الليرة والريال اليوم، لن يشترياه غدًا. وغدًا يعني بالفعل بعد 24 ساعة، وليس توصيفًا مجازيًّا. ولأن الخراب الاقتصادي في كلا البلدين بات جزءًا من الأداء العام، فلم ينفع في سورية قرار تعويم العملة، بل جاءت نتائجه عكسية، وفشلت كل المحاولات الإيرانية الرامية إلى رفع قيمة الريال أو إيقاف تدهوره، بما في ذلك رفع نسبة الفائدة عليه. والذي يحدث أن السوريين يتخلصون بأسرع وقت ممكن وبأي ثمن كان من عملة بلادهم التي يملكونها، والأمر كذلك مع الإيرانيين.
نعم لقد نجحت العقوبات الغربية المفروضة على نظامي بشار الأسد المتهاوي من جراء قتله لشعبه، وأحمدي نجاد المرتعد خوفًا من تبعات شر أعماله، في رفع وتيرة الغضب الشعبي، لكن التي سبقتها في ''النجاح''، سياسات اقتصادية لا دخل للغرب ولا غيره بها. سياسات وضعت مصالح الشعبين في زيل القائمة، هذا إن دخلت أصلاً إلى القائمة. سياسات لم يكن نظاما الأسد الأب والابن، ومعه نظام الملالي في حاجة إلى إخضاعها للتجربة أكثر من ثلاثة عقود لمعرفة نتائجها. هذه السياسات أسست لواحد من أسوأ التحالفات في المنطقة، بين نظام سوري غير شرعي، ونظام إيراني يرى الواقع وهمًا، ويرى الوهم واقعًا. وها هو الأسد الابن ومعه نظام خامنئي، يقطفان ثمرات هذا التحالف، الذي أوجد ـــ من ضمن ما أوجد ـــ اقتصادًا فريدًا من نوعه، مبنيًّا على اقتصادين منفصلين لا يشبهان بعضهما بعضًا، ولا يرتبطان بالحد الأدنى من الروابط المشتركة. فلا غرابة إذن من أن تكون النتيجة اقتصادًا خرابًا، نال من شعبي البلدين، وينال الآن من نظاميهما.