ظاهرة استغلال العمالة الأجنبية في المنطقة

<a href="mailto:[email protected]">jasim.husain@gmail.com</a>

عطفا على موضوع الأسبوع الماضي حول تحويلات الأجانب, نركز في مقال اليوم على مسألة في غاية الخطورة وهي شيوع ظاهرة استغلال العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون الخليجي. بداية لا بد من تأكيد أنه على الرغم من بعض القواسم المشتركة إلا أن الأوضاع ليست بالضرورة شبيهة فيما يخص التعامل مع العمالة الأجنبية في كل دول المنطقة.
تشكل العمالة الأجنبية الأغلبية المطلقة في القوى العاملة في كل دول مجلس التعاون. يبقى أن هناك تفاوتا في الإحصاءات حيث تزيد علىن 80 في المائة بالنسبة للإمارات لكنها تقل عن 60 في المائة في المملكة العربية السعودية. إلا أن هذه الحقائق لا تشفع للعمال الأجانب حيث يتعرض عدد غير قليل منهم لأبشع صور الاستغلال, نشير إلى بعضها في المقال الذي بين يديك.

تأخير دفع الراتب
لا يحصل بعض العمال الأجانب على أجورهم في التواريخ المتفق عليها. فبعض أرباب العمل يعملون على تأخير دفع الرواتب لأسباب خاصة بهم على أقل تقدير, الأمر الذي فيه ظلم وإجحاف بحقوق العمال بغض النظر عن جنسياتهم. لكن يفوت على أرباب العمل أنهم يلحقون الضرر بأنفسهم في نهاية المطاف حيث لا يقف بعض العمال الأجانب (وليس كلهم) مكتوفي الأيدي حيال هذا الواقع المر. في المقابل يقوم البعض بأعمال انتقامية من الشركات التي يعملون لديها مثل السرقة والتحايل في أداء المهام المنوط بهم وسوء معاملة الزبائن. يبدو أن حل هذه المسألة يقتضي إلزام الشركات بتحويل رواتب جميع العمال عبر فروع البنوك المنتشرة في دول الخليج. حقيقة توفر عملية دفع الرواتب عبر البنوك فرصة لوزارات العمل للوقوف على حقيقة الشكاوى العمالية بخصوص هذه القضية الحساسة ومن ثم معالجة هذه القضايا.

حافلات مكشوفة
ربما لا يختلف اثنان على أنه لمنظر بعيد عن مبادئ الإنسانية ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين أن نرى بأم أعيننا صورا حية لنقل العمال الأجانب في سيارات مكشوفة تلسعهم أشعة الشمس على مدى عدة شهور. فصور نقل العمال الأجانب في عربات غير مؤهلة تبعث على الاشمئزاز وتعكس مدى انتشار الجشع لدى بعض التجار. لكن يلاحظ أن بعض دول مجلس التعاون بدأت في تنفيذ خطوات تلزم أصحاب الأعمال بتوفير حافلات مظللة عند نقل العمال من و إلى أماكن عملهم. لا شك في أن هذا المطلب واقعي ويتناسب مع طبيعة المناخ في دول مجلس التعاون حيث تشتد الحرارة أثناء فصل الصيف. كما أن هذا القرار مناسب في فصل الشتاء بسبب البرودة في بعض الأماكن وعلى الخصوص المناطق الصحراوية.

تجاوزات أخرى
من جهة أخرى, لا بأس من الإشارة إلى صور أخرى فيما يتعلق باستغلال العمال الأجانب في دول المنطقة. فهناك مشكلة العمل لساعات مطولة, حيث يلاحظ أن بعض المؤسسات تلزم الموظفين الأجانب بالعمل لساعات قد تمتد لنصف يوم كامل. بالمقابل يدعي بعض أصحاب الأعمال أنهم يدفعون للوقت الإضافي لكن في الغالب ليس بمقدور العمال الأجانب رفض الأوامر. كما أن بعضهم لا يعرف على وجه الدقة يوم العطلة الأسبوعية حيث إن الأمر متروك لصاحب العمل.
أيضا هناك ظاهرة الزج بعدد كبير من العمال في غرفة واحدة, إذ يميل بعض أصحاب الأعمال إلى حشر أكبر عدد ممكن من العمال في غرفة واحدة مزودة بمرفق صحي واحد دون الاعتبار للآثار السلبية المحتملة على صحتهم. ربما يتحجج بعض أرباب الأعمال أن السكن المتوافر لبعض العمال الأجانب أفضل مما يحصلون عليه في بلدانهم. لكن هذه المقارنة غير صحيحة لعدة أسباب منها أنها تؤثر سلبا في صحة الناس حيث يتعامل هؤلاء بالمجتمع برمته.

حقيقة المطلوب من السلطات المسؤولة في دول مجلس التعاون محاربة ظاهرة استغلال الأجانب لأسباب أخرى. فتوافر فرصة استغلال الأجانب تنعكس سلبا على توظيف العمالة المحلية بسبب وجود البديل الأرخص. على سبيل المثال, ليس بمقدور الشركات تعطيل دفع أجور العمالة المحلية لأن باستطاعتهم الذهاب إلى الأطراف ذات العلاقة مثل الوزارات والنقابات للمطالبة بحقوقهم. لا شك أن بمقدور العمال الأجانب تقديم الشكاوى ضد أربابهم لكن في الغالب يتحاشون القيام بذلك خوفا من البطش المحتمل لأرباب العمل. كما لا يعرف عن بعض السفارات الأجنبية وخصوصا الآسيوية منها الدفاع عن حقوق مواطنيهم (مع وجود استثناءات مثل السفارة الفلبينية). وعلى هذا الأساس هناك ضرورة لقيام السلطات بتثقيف العمالة الأجنبية عن حقوقهم بل والضغط عليهم لعدم السكوت عن مظاهر الاستغلال التي يتعرضون لها.
ختاما من الضرورة بمكان أن تقوم السلطات المسؤولة في دول المجلس بتطوير الإجراءات والجزاءات حتى يتسنى تحقيق هدف حيوي ألا وهو ضمان إنهاء حالات الإساءة والاستغلال للعمالة الأجنبية. أخيرا وليس آخرا نرغب في تسجيل إشادتنا لقرار الإمارات الذي دخل حيز التنفيذ هذا العام بوقف العمل أثناء فترة الظهيرة في الأماكن المكشوفة خلال شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس) حفاظا على صحة العمال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي