«قبة» تروي قصة حرب على السجائر عمرها 60 عاما .. والشهود سيارات

«قبة» تروي قصة حرب على السجائر عمرها 60 عاما .. والشهود سيارات
«قبة» تروي قصة حرب على السجائر عمرها 60 عاما .. والشهود سيارات

من روايات المهربين إلى التنمية العامرة، ومن أحاديث "الفرت" ومغامرات الصحراء، والعطش، والموت جوعا، إلى ورش العمل السياحي، وجذب الزوار، وحبل الذكريات الطويل. الحديث اليوم عن قبة – التابعة لمنطقة القصيم - عروس النفود كما يحلو لأهلها تسميتها. إلى سنوات قليلة ماضية كانت عبارة عن مورد بادية، وصندوق لاحتياجاتهم فقط، واليوم تحولت إلى مدينة متكاملة بالخدمات، بل إنها مرشحة لتكون مقصدا سياحيا، حيث تخدم هواة الرحلات ومحبي الصحراء، وتمتاز ببيع المنتجات المحلية من السمن والأقط وبعض المنتجات الحرفية واليدوية.

في الحقيقة إن التهريب المقصود هنا، هو تهريب السجائر، حيث كان بعض أصحاب السيارات يهربونها من الكويت والعراق عبر الصحراء، ويقف لهم رجال الأمن بالمرصاد ويكون سجن قبة في استقبالهم.
هنا يوجد بها قصر الملك عبد العزيز وهو على شكل مصمك، وبنيت داخله بعض المباني المجزأة، وتقع في زوايا القصر أبراج مراقبة إضافة إلى المسجد والسجن، ووسط ساحته توجد سيارتان من نوع "فورد" تحملان سنة صنع الأربعينيات والخمسينيات، تمت مصادرتهما قبل نحو 60 عاما لمخالفين هربوا القريفن (الدخان).
وفي زيارة رسمية رافقت "الاقتصادية" وفد هيئة السياحة والآثار للاطلاع على قصر الملك عبد العزيز في "قبة"، حيث قطعنا طريقا صحراويا لا يتجاوز عرضه 14 مترا، صعبا للغاية يرتفع وينخفض عبر الكثبان الرملية، فأمضينا فيه ساعة ونصفاً، حتى بلغنا المركز الذي يبعد 150 كيلو مترا شمال شرق مدينة بريدة ويعد آخر نقطة من القصيم في حدودها بمنطقة إدارية تابعة لمنطقة القصيم مع المنطقة الشرقية.
ويذكر أنه حدثت هناك مطاردات كثيرة بين حماة الأمن وما يطلق عليهم "المهربين" قبل نحو 83 عاما إبان توحيد الجزيرة العربية على يد المؤسس الملك عبد العزيز حول هذا المكان وبالقرب منه، وحين تناولنا موضوع المهربين أجاب الدكتور جاسر الحربش المدير التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والآثار، بأن علينا التثبت من هذا الموضوع وأن يكون فيه مصدر واضح عن التهريب وماذا كانت المواد المهربة.
وعند وصولنا إلى قصر الملك عبد العزيز في قبة كان في استقبال الوفد رئيس البلدية وبعض أعضاء المجلس البلدي، حيث استطعنا دخول القصر عبر فتحة صغيرة بعد أن تم إغلاق البوابة الرئيسية بالبناء وتم استحداث تلك الفتحة، فدخل فريق العمل قصر المؤسس، الذي بني على مساحة تصل إلى خمسة آلاف متر مربع وتحميه جدران من الطين عالية بني داخله بعض المباني المجزأة، وتقع في زوايا القصر أبراج مراقبة إضافة إلى المسجد والسجن، ووسط ساحة القصر كانت هناك سيارتان من نوع "فورد" بسنة صنع الأربعينيات والخمسينيات، حيث أشار مطلق العمشاوي نائب رئيس المجلس البلدي في قبة، إلى أن السيارتين تمت مصادرتهما قبل نحو 60 عاما لمخالفين هربوا القريفن (الدخان) عبر تلك المنطقة الشهيرة بمرور المهربين، حيث كان الدخان أو ما يطلق عليه التتن في ذلك الوقت يتم تهريبه عبر هذا الموقع إلى جميع أنحاء الجزيرة العربية، وقال العمشاوي: نعرف كثيرا من قصص المهربين ومهاراتهم في القيادة عبر الكثبان الرملية، متمثلا بقول أحدهم محذرا مطارديه:
يا هل الهافات عنتر ناش جاكم
سنحته زينه وماطوره قوية
وبين العمشاوي، أن المقبوض عليهم هم عادة ممن يقومون بنقل لفافات (التتن) أو بضاعة غير خاضعة للجمارك ، فكان أغلب المهربين قادمين عن طريق الكويت أو العراق فينتهي بهم المطاف إلى سجن قصر قبة، الذي كان يخضع لإدارة الأمير عبد العزيز بن مساعد الذي كان أميرا لحائل آنذاك قبل أن تنضم القرية إلى منطقة القصيم، فكانت تشكل أهم النقاط الأمنية وسط الصحراء، مشيرا إلى تسجيل عدد من الأبيات سواء لمهربين استطاعوا النفاذ من قبضة الأمن أو للمهرة من رجال الأمن حينما يقبضون على المهربين ليدعوهم السجن الطيني داخل القصر الشهير الذي لا تزال آثار السجناء باقية فيه عبر وضع إشارات لعدد الأيام الباقية لهم من محكوميتهم.
وتعد قبة أحد المراكز التي نشأت لتوطين البادية وسط النفود وهي أحد موارد المياه الشهيرة في نجد، ويتحدث رئيس المركز محمد بن عبد المحسن الفرم، عن تاريخ إنشائها، حيث قال: "إنها جاءت بإقطاع من الملك عبد العزيز إلى والدنا الشيخ عبد المحسن الفرم عام 1340هـ، وكان الوالد وجماعته آنذاك أهل خيل وإبل ويبحثون عن المواقع التي تتوافر فيها أنواع المراعي، وتحقق طلبهم من خلال هذا المكان الذي أصبح فيما بعد نقطة انطلاق لجيوش التوحيد ومحطة مهمة للقوافل التجارية بين الكويت والعراق والقصيم قبل إنشاء الطرق الحديثة. وأشار الفرم إلى أن موقعها الجغرافي جعل منها همزة وصل بين عدة مناطق وأكسبها أهمية كبرى في النواحي الأمنية والتجارية والسياحية وشجع على حركة الاستيطان حتى بلغ سكان مدينة قبة وتوابعها حاليا قرابة 20 ألف نسمة يتنوع نشاطهم بين الزراعة والتجارة وتربية المواشي.
ويشير مطلق العمشاوي إلى أن القصر من المعالم السياحية التراثية الذي يعد على مستوى منطقة القصيم (القصر الأثري في قبة) الذي أنشئ قبل عام 1351هـ على شكل المصمك، بناه رجل من أهالي القصيم يدعى (ابن مقبل) بأمر من جلالة الملك عبد العزيز، ولا يزال يصارع عوامل التعرية، حيث كان مقراً للإمارة والبريد والبرقية وسكنا للخويا، وفي داخله سجن ومسجد وآبار للمياه، ويوجد فيه حاليا سيارتان من موديلات الأربعينيات والخمسينيات شبه تالفتين كان مقبوضا عليهما في عمليات تهريب، وقد سكن في القصر الأمير عبد العزيز بن مساعد في بعض جولاته آنذاك.
من جانبه، بين الدكتور جاسر الحربش المدير التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والآثار في منطقة القصيم، أن القصر سيخضع لتقييم كامل ودراسة حالته للمحافظة عليه وبقائه، مشيرا إلى أهمية القصر وكذلك أهمية موقع قبة، التي تعد حلقة وصل مهمة، مؤملا أن يكون القصر أحد المواقع المميزة من التراث العمراني، مشيرا إلى أن الهيئة العامة للسياحة والآثار ستسهم في رفع الاستفادة من العابرين والرحالة عبر بيع المنتجات المحلية لقبة خصوصا منتجات البادية من السمن والأقط وبعض المنتجات اليدوية، وهذا ما ستنميه السياحة لمثل هذه المواقع. ونوه الحربش إلى أن أهالي قبة محبون للزوار ومضيافون وهذه مهمة في استقبال الزوار والعابرين، مشيرا إلى أن الهيئة ستعقد ورشة عمل في قبة لتمكين المجتمع المحلي من الاستفادة من بيع المنتجات المحلية وتسويقها على العابرين وكذلك إقامة فعاليات ومناسبات صغيرة لجذب الزوار وبقائهم في قبة.

الأكثر قراءة