المحاكم البلدية

<a href="mailto:[email protected]">Bader1001@yahoo.com</a>

إن العلاقة التي تربط سكان المدن والقرى بالدوائر الحكومية تتأثر سلباً أو إيجاباً بمدى استجابة التعليمات والأنظمة لاحتياجات السكان وقدرة المسؤولين في تلك الجهات على التعامل مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي لا تستقر على حال. تعتبر البلديات من أكثر الدوائر الحكومية تأثيراً في حياه الناس ومصالحهم بدءا من تصاريح البناء ومروراً بتخطيط المدن ونظافتها إلى توفير المتنزهات ومتابعة التزام تجارة الخدمات المعايير والأنظمة التي تؤثر في صحة السكان واقتصاد المدن.
إن الصلاحيات الواسعة التي أُعطيت للبلديات للتعامل مع كل هذه الأمور دون إيجاد طرف ثالث قادر على مراقبة استخدام تلك الصلاحيات والموافقة أو الرفض للتعليمات التي تتعارض مع حقوق الساكنين أو لا تحافظ على المصلحة العامة, قد نتج عنها قيام بعض البلديات في كثير من الحالات بدور الخصم والحكم في آن واحد, فهي الجهة التي تقوم بوضع الأنظمة والتعليمات التي تراها وهي الجهة التي تقوم بتوجيه الاتهام إلى من تعتقد أنه يخالف تلك التعليمات ثم إنها هي أيضاً الجهة التي تقوم بتنفيذ العقاب دون إعطاء الفرصة لأي طرف آخر بالاعتراض حتى ولو كان الإجراء يتسبب في خسائر مادية ومعنوية تفوق بكثير حجم المخالفة المزعومة. إن الأمثلة على قيام البلديات الفرعية بتنفيذ العقوبات الصارمة بناء على تقارير ترد إليها من موظفين صغار ينقصهم الكثير من التعليم والتدريب, هي أكثر من أن يتم حصرها في مقال واحد ولكن أهمها هو ما يتعلق بصحة الناس وأموالهم. لقد اعتادت البلديات الفرعية على قطع المياه عن المنازل التي يتهم أصحابها بأنه يتسرب من منازلهم مياه إلى الشارع, وهو إجراء مهما كان الهدف منه نبيلاً إلا أنه لا يمكن أن يبرر حرمان عائلات تضم أطفالاً وشيوخا ومرضى من أهم ضرورة من ضرورات الحياة بسبب فعل واحد منهم. إن الجهة المسؤولة عن المحافظة على المياه وهي مصلحه المياه والصرف الصحي تتعامل مع هذا الموضوع بواقعية وتفهم من خلال إصدار مخالفات بمبالغ مالية لمن يهدرون المياه, مع العلم أنهم مطالبون بأن يتعاملوا مع هذا الهدر بصرامة أكثر من خلال مضاعفة العقاب المادي على من يكرر المخالفة خلال مدة معينة وأن تتم إعادة النظر في تسعيرة المياه بما يكفل استخدامها بكل حرص. مثل آخر على التعامل غير المنصف من قبل البلديات هو ما نشاهده في الكثير من الشوارع عندما تقوم الأمانة ممثلة في بلدياتها الفرعية بوضع السياج والأقفال على بعض مكائن الصرف الآلي للبنوك بحجة أن هناك خلافا تعاقدياًً مع البلدية على وجودها على الرغم مما يتسبب فيه ذلك من ضرر على تلك الشركات والمواطنين. إن إصرار البلديات الفرعية للأمانات على التعامل مع المواطن بفوقية ومع المخالفين لتعليماتها وكأنهم مجرمون لا يستحقون إلا العقاب العاجل لا يمكن إلا أن يسهم في تردي العلاقة بين البلديات والسكان, الأمر الذي يعتبر أكبر عائق أمام تطور المدن وتحسن مستوى المعيشة فيها. إن الحل يجب ألا يكون بمطالبة البلديات بتحسين الطريقة التي تعامل بها من يخالفوها, بل بالاستعانة بالمحاكم لكي تفصل في تلك المنازعات وأن تكون هي من يقرر حجم العقوبة ووقت تنفيذها استناداً إلى أنظمة معلومة مسبقاً من قبل الجميع, ولذا فإن إقامة محاكم بلدية تعنى بفض النزاعات ذات الطابع البلدي وتكون الجهة الوحيدة التي يسمح لها بإصدار العقوبات في هذا الشأن ستكون السبيل الوحيد للرفع من مستوى خدمات البلديات وضمان العدالة في تطبيق النظام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي