ديوان مراقبة عامة وليس ديوان مراقبة لاحقة (2 من 2)

<a href="mailto:[email protected]">fahedalajmi@saudi.net.sa</a>

إن الفساد الإداري والمالي يخلقه استغلال المسؤول لسلطاته من أجل تحقيق منفعة ما. فإنه ينتشر على مستوى الإدارة السفلى من سكرتير, موظف عادي, شرطي ذوي الرواتب المتدنية في ظل حياة معيشية مرتفعة. أما على مستوى الإدارة الوسطى التي يعمل بها موظفون مدنيون يتمتعون بميزات أعلى فإن رغبتهم في الحصول على مراكز متقدمة تدفعهم إلى استغلال سلطاتهم في عمليات المناقصات, الخدمات الحكومية, مخططات الأراضي, التفتيش والتراخيص والتدقيق, وأي عمليه يكون لها عائد اقتصادي يؤدي إلى تبادل المصالح بينهم وبين متلقي تلك الخدمات. فقد أشار العديد من الدراسات إلى أن الدول النامية أكثر فسادا من الدول المتقدمة للأسباب التالية:
- الفقر الذي يشجع موظفي الحكومة عند المستويات السفلى على الوقوع في الفساد.
- السيطرة الواسعة للحكومة على الاقتصاد ما يعطي موظفي الحكومة فرصه استغلال العوائد الاقتصادية من خلال معاملاتهم.
- غياب أو ضعف حساب المسؤولية الوطنية، النزاهة, الشفافية النظامية ما يساعد على انتشار الفساد.
هكذا تتعدد أنواع الفساد الحكومي حسب الحالة التي يتم فيها تبادل المنافع أو الأضرار بالطرف الآخر خلافا للقوانين والأنظمة الرسمية, عندما يستغل المسؤول سلطاته في ظل غياب الرقابة الفاعلة وتقارير المحاسبة والمسؤولية الدقيقة ما قد يحفزه على أخذ الرشوة Briber سواء كانت نقدية أو عينية من أجل تقديم خدمه غير شرعيه لشخص ما. وقد يمتد الفساد من الرشوة إلى التهديد Extortionلإلحاق الضرر بشخص ما أو الإساءة إلى سمعته أو ما يمتلكه من أجل الحصول على مبالغ مالية أو خدمات أو أمور أخرى. وفي بعض الحالات يتحول الفساد إلى عمل العصابات وذلك بأخذ المال بطريقه غير شرعية Embezzlement أو ملكية الأصول عندما تتم توصيته على مال أو أصول لا يملكها مثل تلك القضايا التي ترددها الصحف المحلية يوما بعد يوم. كما أن الفساد ينتشر عن طريق الولاء لنظام ما أو مجموعة ما Patronage systems من أجل الحصول على مركز أو وظيفة مقابل حصول المؤيدين لهم على خدمات خاصة، فهذا قد يحصل على مستوى الانتخابات البلدية أو الغرف التجارية. فضلا عن تفضيل جماعة ما أو الأقارب في تولي مناصب ووظائف معينة والحصول على منافع ما Nepotism حتى ولو كانوا غير مؤهلين.
فكما ذكرنا سابقا أن العوامل الدموقرافية تزيد من انتشار الفساد في أنظمة الحكومات المحلية مثل: الدين, الانتماء, الطبقة, حجم البلدية المحلية, الحالة الاقتصادية المحلية, التعليم, العادات والتقاليد الاجتماعية والسياسية, ونوع الجنس, وكلما قلت مشاركة المرأة في الإدارات الحكومية وهذا يحتاج إلى تفصيل مطول ليس هذا مكانه، فإن قدرة ديوان المراقبة العامة على محاربة الفساد تكمن في تعزيز قوته ليكون مستقلا ويلعب دورا حاسما في محاربة انتشار الفساد في الإدارات الحكومية وأن ينظم حملة تساهم فيها الشرطة وجميع الأجهزة المسؤولة عن تطبيق القوانين ومكتب المحقق العام إن وجد ما يشابهه وهيئة المحاسبة العامة القضائية وهيئه من القطاع الخاص, لأن حلول محاربة الفساد تسبق عملية المراقبة التي تتمثل في التالي:
- حل مشكلة الفقر والبطالة الاقتصادية.
- عمل الحكومة وبكل سرعة على زيادة رواتب هؤلاء الموظفين في المستوى الإداري الأسفل حتى يكون محفزا لهم يبعدهم عن التعاطي مع الفساد بكل أنواعه.
- يطلب من كل موظف في الإدارة الوسطى أن يسلم كشف حساب لدخله سنويا وأن يكشف عن كل ممتلكاته ومعاملاته التجارية أو الاستثمارية حتى لا يكون هناك تعارض في المصالح.
- تعيين هيئة في ديوان المراقبة مستقلة لمكافحه الفساد يتمتع موظفوها بصفات أخلاقية عالية وحريصة على المصلحة الوطنية من أجل تقوية الرقابة ومنح المواطنين الثقة في الأجهزة الحكومية, يتم الإفصاح عن حساباتهم المالية.
- منح تلك الهيئة قوة قضائية أن من يقدم معلومات إليها خاطئة عن إدارته أن تستطيع تحويله إلى المحكمة.
- تعقد تلك الهيئة اجتماعا سنويا مفتوحا يحضره من يريد الحضور من المواطنين لتقديم آرائهم وملاحظاتهم.
- تفتح تلك الهيئة مكاتب لها في جميع مناطق المملكة حتى يسهل على المواطن حضوره ومشاركته في عمل الهيئة.
- إخطار جميع الجهات الحكومية عن أي خبر فساد يتم تداوله في الإعلام المحلي حتى ولو كان مصدره شائعات حتى يتم التأكد من عدم وجود موظفين مشتبه بهم.
- تحويل أي موظف يعمل في المؤسسات والشركات الحكومية يشتبه بتورطه في عمل فساد إلى القضاء لمحاكمته, ما قد يحد من ظهور مثل ذلك الفساد في المستقبل.
- تعيين موظف مكافحة الفساد في كل وزارة أو مؤسسة حكومية لكي يراقب سير العمل ويستلم تقارير عدم الأخلاقية والفساد من ممثلي الحكومة وكبار الموظفين.
- تطوير كادر محترف في الأخلاق والنزاهة ووضع برنامج عام يدرب على النزاهة والحماية من الوقوع في الفساد لكل الوزارات وموظفي الحكومة حتى يتم تأسيس قاعدة متينة من الأخلاق العالية والنزاهة Integrity في العمل.
- تعليم مادة في الأخلاق والنزاهة ضمن برنامج وزارة التعليم في جميع المراحل التعليمية فيما بعد الابتدائية.
- تقليص حجم البيروقراطية الكبير المرتبط بسوء الكفاءة ويعتبر مستنقعا للفساد من خلال الإسراع في عمليات الإصلاح والتخصيص والتخلص من المهن والدوائر ذات المهن المزدوجة والبطالة المقنعة ما يفتت قسوة البيروقراطية ويزيد من فعاليتها ويقلل من فسادها.
إن تنفيذ الحلول المذكورة يتطلب وضع معايير وآليات من أجل تحقيق تلك الأهداف التي ترمي إلى القضاء على الفساد الإداري والمالي في الإدارات الحكومية. هنا تأتي أهمية ترتيب الأوليات لمحاربة الفساد التي تستدعي وضع استراتيجية لمحاربة الفساد بجميع أنواعه من خلال تطبيق مبدأ المحاسبة والمسؤولية الوطنية والنزاهة والشفافية التي سوف تغير من اتجاهات وسلوك الأفراد سواء في المجتمع أو في الأجهزة الحكومية على أساس أن قاعدة الصفر من الفساد هي المسموح بها فقط لا غير. على أن الاستراتيجية التي تهدف إلى ظهور اتحاد قوي ضد الفساد داخل المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني والخاص لا بد أن تشمل الخطوات التالية:
- تبني مبدأ الوقاية الذي هو أكثر فعالية في الأجل الطويل من أن يكون في الأجل القصير من أجل وضع رادع Deterrent لكل من تسول له نفسه في الوقوع في معاملات الفساد. على أن تبدأ عملية الوقاية من خلال برامج التوعية والتعليم بمواقع وأضرار الفساد وأن يتم توضيح وتسهيل الإجراءات والأنظمة وتعويض أهل الخدمة المدنية رواتب عادله ومكافآت عندما يكون أداؤهم جيدا ونزيها.
- مساءلة الإداريين قبل أن يقدموا على شيء من الفساد وذلك بتحميلهم المسؤولية بما يتفشى من فساد في إداراتهم وذلك بإعطائهم نوعا من اللامركزية بما يتعلق بمواقع الفساد الإداري والمالي.
- اتباع آلية معينة لتطبيق أنظمة وقوانين محاربة الفساد تنفذها مكاتب الديوان مع منحها سلطات قوية ومحاكمة المشتبه بهم بما يتفق مع حقوق الإنسان الدولية.
- توظيف استعمال التقنية والإنترنت في محاربة الفساد في الأعمال الإدارية والمالية وفي معرفة ردة فعل المواطن وآرائه حول برنامج مكافحة الفساد الحكومي.
- توعية الجمهور بمعايير الوقاية من الفساد وتطبيق تلك المعايير ويسمح لوسائل الإعلام والمواطنين بالاطلاع على السجلات الحكومية من أجل قطف ثمار الحوار والشفافية والنزاهة وحساب المسؤولية بواسطة كل المسؤولين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي