الاستثمار المؤسسي سيهذب تذبذبات سوق الأسهم السعودية

الاستثمار المؤسسي سيهذب تذبذبات سوق الأسهم السعودية

في سوق لا يشبه كل الأسواق تنطلق الأسهم السعودية كصقور تحلق نحو الشمال لا يمكن اللحاق بأثرها، ومن ثم تعود فتغوص جنوبا إلى قاع المحيط أيضا كشهب ساقطة من السماء لا يمكن حتى اقتفاء أشلائها. سلوك بربري يؤطر حركة القطيع في سوق الأسهم التي أصبحت حدة حركة التذبذب فيه ليست فقط مثيرة للقلق بل دالة طاردة للاستثمار الأجنبي والمحلي على السواء.
لماذا هذا السلوك البدائي الذي يحكم بوضوح قطاعات مختلفة وكيف يمكن لمعطيات مختلفة تحكم تقييم أسهم "القيمة" أن تتساوى في ذات الوقت مع أسهم المضاربة، وكيف لعوامل الاقتصاد بشقيه الجزئي والكلي أن تتلاشى أمام اختلاف طبيعة كل قطاع أو معطيات كل شركة؟
عدة أسباب تقود إلى هذا الوضع غير الاعتيادي بعضها يتعلق بتركيبة السوق وما يحمله من تشوهات هيكلية، والآخر يعود لطبيعة المستثمرين واللاعبين داخل السوق، ولكن أحد أهم العوامل هو ربما غياب الاستثمار
المؤسسي Institutional Investing.
هناك عدة اعتبارات يجلبها ويفرضها هذا النوع من الاستثمار، فهو بداية يقوم على التحليل الأساسي والفني المحكم والمحترف، وهو لا يضع في حساباته تحركات المضاربين الوقتية، وبهذا فهو من ناحية يرفع مستوى الوعي في نوعية تداولات السوق ويثقف عموم المستثمرين من الأفراد ويرشدهم إلى أين تتجه السيولة المحترفة، وسيؤدي إلى تهذيب هذه المضاربات الشرسة على الأسهم المهترئة أو الهشة. اعتبار آخر يأتي تحت مظلة الاستثمار المؤسسي وهو العامل الزمني، حيث إن هذا الاستثمار يحمل طبيعة المدى الزمني الطويل وبالتالي فهو يوفر قدرا أكبر من الاستقرار للأسواق ويحد من التذبذبات الحادة، وأهم القطاعات التي تباشر مثل هذا الاستثمار هي مؤسسات التقاعد والتأمين التي تتخذ قراراتها الاستثمارية بناء على دراسات إكتوارية تحدد متطلباتها على المدى الزمني القصير بشكل محدود والمتوسط والطويل بشكل أكبر وأوسع.
السوق السعودي حتى الآن لا يوجد به سوى شركة تأمين واحدة رسمية "التعاونية للتأمين" رغم بدء النشاط منذ عام 1974، وعدا ذلك توجد نحو 24 شركة تحت الترخيص حيث تم الانتهاء من دراسة ملفاتها والموافقة عليها من قبل مؤسسة النقد السعودية إلا أنه ينتظر الترخيص لها من قبل وزارة التجارة والصناعة!!
إن اتخاذ تدابير جوهرية لمثل هذا النشاط هو ضرورة ملحة يفاقمها ضعف هذا النشاط الذي لا يمثل حتى الآن أكثر 0.5 في المائة (نحو أربعة مليارات ريال في 2005) من الناتج الإجمالي للمملكة، ونمو هذا القطاع هو ليس فقط خدمة للمواطنين والاقتصاد الوطني، بل أيضا هو فتح بوابة مهمة للاستثمار المؤسسي في سوق الأسهم السعودية الذي سيمثل أحد الأصول الأساسية في المحافظ الاستثمارية لمثل هذه المؤسسات.
صندوق معاشات التقاعد هو محطة أخرى جديرة بالمراجعة فربما حان الآن أن يفتح هذا النشاط للمؤسسات الدولية والمحلية كما يجري العرف على سبيل المثال في الولايات المتحدة، حيث يشارك عدد كبير من المؤسسات المالية المرموقة بتقديم برامج تقاعدية مختلفة لعملائهم ويوفرون لهم كشوفات شهرية توضح لهم أين تستثمر أموالهم وفي أي قطاعات أو شركات هذا هو الحد الأدنى الذي يتطلع إليه كل موظف يرغب أن يتأكد أن أسلوب استثمار مدخراته يتوافق مع أهدافه الاستثمارية وتوقعاته المستقبلية ويملك الخيار أن يوجه مثل هذه المدخرات إلى من يديرها بكفاءة.
المحطة الأخرى في الاستثمار المؤسسي التي تستحق التوقف هي مؤسسات وصناديق الاستثمار الأجنبي، حيث إنه فتح التملك لمثل هذه الصناديق الاحترافية ضمن قواعد رقابية محددة يتيح آفاقا جديدة لتقوية عضلات السوق ورفع مستوى الوعي الاستثماري وتهذيب أساليب الاستثمار، كما أن هذه المؤسسات ترغب في الدخول إلى أسواق يتوافر لها التنويع الجغرافي وتتميز بالنمو القوي وتملك مؤشرات اقتصاد كلي وجزئي إيجابية، وتتمتع بتشريعات وقوانين توفر الشفافية والضبط، وهذه أغلبها مؤشرات متوافرة في السوق السعودي إلى حد لا بأس به وسوف تشجع الصناديق المؤسسية الأجنبية على دخول السوق السعودي، وما أقرته هيئة سوق المال من تشريعات حديثة أخيرا تتيح للمؤسسات الخليجية المشابهة الاستثمار في السوق السعودي هي خطوة إيجابية على طريق الإصلاح ولكن يجب أن يتبعها مشروع أشمل يتيح لعموم الصناديق والمؤسسات الدولية أن تستفيد من مثل هذا التشريع تحت شروط رقابية موائمة.
إن الاستثمار المؤسسي ليس مصباح علاء الدين الذي سيعالج كل تشوهات سوق الأسهم السعودية في ليلة وضحاها ولكنه بلا جدال حجر زاوية مفقود في سوق أصبحت فيه المضاربة وليس الاستثمار السمة الغالبة، وتعاظمت فيه حدة التذبذبات إلى أن أوشكت أن تكون دالة طاردة للاستثمار المحلي والأجنبي على السواء.

نائب الرئيس- مجموعة سيتى جروب
<p><a href="mailto:[email protected]">Alharthi30@yahoo.com</a></p>

الأكثر قراءة