مؤتمر العالم الإسلامي .. ماذا بعد المؤتمر؟
لم تمر على العالم العربي أحداث تكون ردود الفعل حولها بهذا التناقض العجيب، ومن مختلف الأطياف والتوجهات الفكرية والسياسية، مثلما يمر بعالمنا العربي حالياً من أحداث. هذه الأحداث التي نتج عنها سقوط نظامين عربيين، ومواجهات دامية تشهدها ثلاث دول عربية أخرى، بلغ التناقض حولها أن وصفت من قبل البعض بأنها ربيع عربي، ووصفت من قبل آخرين بأنها مؤامرة هدفها خلخلة أوضاع العالم العربي تهيئة لشرق أوسط جديد.
هذا التناقض في النظرة لهذه الأحداث لم يأت بسبب تنافر أو اختلاف التوجهات الفكرية، بل تجده داخل الطيف الواحد، مما جعل غالبية الناس لا يدرون من يصدقون، إعلام يمارس التهويل والمبالغة في وصف الحدث تأييداً أو معارضة، أم علماء ودعاة تراوح مواقفهم بين ثوري يدعو إلى إسقاط الأنظمة العربية بكاملها، سواء منها المُحسن أو المسيء، وآخر يسارع إلى نصرة حاكم عُرف بطغيانه، فيخطب في مساجده ويدعو له بالنصر والتمكين.
هذا الوضع وما أحدثه من ارتباك لدى الناس، وهم يرون رموزاً طالما وثقوا بهم يعيشون هذا التناقض الكبير، كان بحاجة إلى من يوضح الأمر، ويبين موقف الشرع الحنيف من هذه الأحداث، ويؤصل هذا الموقف تأصيلا شرعيا، لهذا كان من المهم جداً إقامة مؤتمر عالمي تُطرح فيه آراء العلماء الثقات، ويخرج المجتمعون بتوصيات تطمئن لها نفوس الناس، ومن هذا المنطلق تنبع أهمية مؤتمر ''العالم الإسلامي .. المشكلات والحلول'' الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.
هذا المؤتمر الذي افتتحه الأمير خالد الفيصل بكلمة ألقاها نيابة عن خادم الحرمين الشريفين، تضمنت الإشارة إلى الوضع الخطير الذي تعيشه الأمة الإسلامية وما يحتاج إليه هذا الوضع من حلول ناجعة من واقع شريعتنا الإسلامية الغراء القائمة على منهج الوسطية والاعتدال لمواجهة محاولات تفريق الشعوب الإسلامية وتفكيك وحدة الأمة ورفع شعارات الطائفية والمذهبية، يحتاج إلى جهد كبير عقب اختتامه، لإيصال ما طرح خلال المؤتمر من آراء إلى الناس.
فالمؤتمر الذي شهد حضوراً كبيراً من العلماء من مختلف أقطار العالم الإسلامي، وقدم خلاله عددٌ كبيرٌ من الدراسات وأوراق العمل، يجب ألا ينتهي كما ينتهي كثيرٌ من المؤتمرات، تركيزٌ إعلامي يسبق المؤتمر ويواكبه، ثم توصيات تتلى وينتهي المؤتمر، فالوضع الذي يناقشه المؤتمر وضع يعيشه الملايين من المسلمين، وهم بحاجة ماسة إلى معرفة موقف الشرع مما يجري من أحداث، وبيان هذا الموقف لا يتأتى ببيان، أو توصيات فحسب، وإنما بعمل يعقب المؤتمر، ويتمثل في جهد إعلامي كبير يجيب عن تساؤلات الناس، إجابات تزيل الشك والتناقض الذي يعيشونه، وترشدهم إلى السبيل الأمثل للتعامل مع الأحداث، ودون ذلك سوف يستمر المسلمون في وضعهم المضطرب، لا يدرون من يصدقون، هل يصدقون ما يطرح عبر وسائل الإعلام، رغم علمهم بأن كل وسيلة لها أجندتها الخاصة؟ أم يصدقون بعض من يتسيدون الساحة من علماء ودعاة، كل يطرح رأيه بما يتوافق مع توجهه، وأحيانا مع مصالحه الخاصة؟